للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا، فلو كانوا مالكين حقيقةً لما أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراجهم من جزيرة العرب وقال: "لئن عِشْتُ لأُخرِجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب" (١). هذا مع بقائهم على عهدهم وعدم نقضهم له، فلو كانوا مالكين لدورهم حقيقةً لما أخرجهم منها ولم ينقضوا عهدًا.

ولهذا احتج الإمام أحمد بذلك على أنه لا شفعةَ لهم على مسلم، وهذا من ألطفِ ما يكون من الفهم، وأدقِّ ما يكون من الفقة.

وأيضًا، فالشفعة تقف على مِلْكٍ ومالك، فإذا اختصَّت الشفعة بملكٍ دون مالك، وهو العقار دون غيره، فأولى أن تختصَّ بمالك دون مالك، وهو المسلم دون غيره. وهذا على أصل من يقول: "الشفعة تَثْبُت على خلاف القياس" ظاهرٌ جدًا، فإنها تسليطٌ على انتزاع ملك الغير منه قهرًا، لمصلحة الشفيع، فيجب أن يقتصر بها على ما قام عليه الدليل، وثبت به الإجماع دون غيره.

وأما نحن فليست الشفعة عندنا على خلاف القياس، ولكن حكمة الشارع وقياس أصوله أوجبتها، دفعًا لضرر الشركة بحسب الإمكان (٢)، وإذا كان البائع قد رغب عن الشِّقص ورضي بالثمن، فرغبته عنه لشريكه ليدفع عنه ضرر الشريك الدخيل أولى، وهو يأخذ منه الثمن الذي يأخذه من الشريك، ولا يفوت عليه شيء.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر كلام المؤلف في الشفعة في كتابه "أعلام الموقعين" (٢/ ٤٤٦ وما بعدها).