فهذا الاستدلال من أعجب الأشياء، فإن الأمة بعد نزول القرآن مأخوذةٌ بأحكامه وأوامره ونواهيه، وأما قبل ذلك فما أقرَّه القرآن فهو على ما أقرَّه، وما غيَّره وأبطله فهو كما غيَّره وأبطله، فأين أبطل القرآن نكاح الكفار ولم يُقِرَّهم عليه في موضع واحدٍ؟ على أن البيع والرهن والمداينة والقرض وغيرها من العقود إنما خُوطب بها المؤمنون، فهل يقول أحدٌ: إنها باطلةٌ من الكفار؟ وهل النكاح إلا عقدٌ من عقودهم، كبياعاتهم وإجاراتهم ورهونهم وسائر عقودهم؟ وليس النكاح من قبيل العبادات المحضة التي يُشترط في صحتها الإسلام، كالصلاة والصوم والحج، بل هو من عقود المعاوضات التي تصح من المسلم والكافر.
وأما قولهم: المسألة إجماعٌ من الصحابة، فهو ذلك الأثر الذي لا يصحُّ عن عبد الرحمن، ولو صحَّ لم يكن فيه حجةٌ، فأين قول رجل واحدٍ من الصحابة فضلًا عن جميعهم؟
وأما قولكم: كيف يُحكم بصحة نكاحٍ عَرِي عن الولي والشهود وشروط النكاح= فمن أضعف الاستدلال، فإن هذه إنما صارت شروطًا بالإسلام، ولم تكن شروطًا قبله حتى نحكم ببطلان كل نكاحٍ وقع قبلها، وإنما اشترطت في الإسلام في حق من التزم الإسلام، وأما من لم يلتزمه فإن حكم النكاح بدونها كحكم ما يعتقدون صحته من العقود الفاسدة التي لا مساغ لها في الإسلام، فإنها تصح منهم، ولو أسلموا وقد تعاملوا بها وتقايضوا لم تنقضِ وأُمضِيتْ.