للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عصمته، فاقتضى حكمُه العدلُ الذي لا أحسن منه تعجيلَ التفريق بينه وبين المرأة المرتدة أو الكافرة عندهم، لتتمكن من التزويج كما تتمكن المسلمة من التزويج إذا هاجرت. فهذا مقتضى الآية، وهي لا تقتضي أن المرأة إذا أسلمت وقعت الفرقة بمجرد إسلامها بينها وبين زوجها، فلو أسلم بعد ذلك لم يكن له عليها سبيلٌ. فينبغي أن تُعطى النصوصُ حقَّها، والسنةُ حقَّها، فلا تعارض بين هذه الآية وبين ما جاءت به السنة بوجهٍ ما، والكل من مشكاةٍ واحدةٍ يصدِّق بعضها بعضًا.

قال شيخ الإسلام (١): وأما القول بأنه بمجرد إسلام أحد الزوجين المشركين تحصل الفرقة قبل الدخول أو بعده، فهذا قول في غاية الضعف، فإنه خلاف المعلوم المتواتر من شريعة الإسلام، فإنه قد عُلِم أن المسلمين الذين دخلوا في الإسلام كان يَسبِق بعضهم بعضًا بالتكلم بالشهادتين، فتارةً يُسلم الرجل وتبقى المرأة مدةً ثم تسلم، كما أسلم كثيرٌ من نساء قريشٍ وغيرهم قبل الرجال. وروي أن أم سليمٍ امرأة أبي طلحة أسلمت قبل أبي طلحة (٢). وتارةً يسلم الرجل قبل المرأة، ثم تسلم بعده بمدةٍ قريبةٍ أو بعيدةٍ.

وليس لقائل أن يقول: هذا كان قبل تحريم نكاح المشركين، لوجهين:


(١) لم أجد كلامه في "مجموع الفتاوى" وغيره.
(٢) نعم أسلمت قبله، ولكنها لم تكن زوجَه حينئذ، بل لم تتزوجه إلا بعد إسلامه، وقد اشترطت عليه ذلك حين خطبها وهو كافر، كما في حديث أنس عند النسائي (٣٣٤١) وابن حبان (٧١٨٧) والطبراني في "الكبير" (٥/ ٩١) والضياء في "المختارة" (٤/ ٤٢٧).