وبالجملة، فشهرة القصة تُغني عن إسنادها، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - خيَّره، ولم يُفرِّق بين الأوائل والأواخر ولم يستفصله، ولو اختلف الحال لتعيَّن الاستفصال، فإن الرجل حديثُ عهدٍ بالإسلام، غير عارفٍ بشرائع الأحكام وتفاصيل الحلال من الحرام، فجعل الاختيار إليه، ولم يَحْجُر في ذلك عليه.
قال المنازعون: قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث بُريدة ومعاذٍ وغيرهما الأمرُ بدعاء الكفار إلى أن يكون لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، والمسلم ليس له أن يتزوج أكثرَ من أربع، والأختين في عقد واحدٍ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ عملٍ ليس عليه أمرنا فهو ردٌ"(١)، وهذا نصٌّ في المسألة قاطعٌ للنزاع.
قالوا: ونكاح الخمس في عقد واحدٍ لا يختلف فيه حكم البقاء والدوام في المنع، فكان باطلًا كنكاح ذوات المحارم.
قالوا: ولا يرِدُ علينا النكاح بغير شهودٍ ولا ولي، والنكاح في العدة؛ لأن ذلك يمنع الابتداء دون البقاء.
قالوا: وليس تحريم الخامسة من جهة الجمع، فلم يختلف فيه حال الابتداء والاستدامة، والإسلام والكفر، كعقد المرأة على زوجين.
قالوا: ولو باع ذميٌّ درهمًا بدرهمين، ثم أسلم قبل القبض لم يُخيَّر في أحد الدرهمين، كذلك إذا أسلم وتحته أختان يجب أن لا يخيَّر في إحدى
(١) أخرجه مسلم (١٧١٨) من حديث عائشة - رضي الله عنها - بلفظ: "من عمل عملًا ليس ... ".