للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذهب عبد الله بن الزبير وأهل المدينة وأحمد في إحدى الروايات إلى قبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض في جراحاتهم إذا كانوا منفردين (١).

وقد ذهب جماعةٌ من الفقهاء إلى صِحَّة وصيَّة الصَّبيِّ وطَلاقه وظِهاره وإيلائه، ولم يزل الصبيان يذهبون في حوائج أوليائهم وغيرهم، ويقبلون قولَهم في ثبوت الأسباب التي تقتضي الحِلَّ والحُرمة، ويعتمدون في وطء الفرج في الأمة والزوجة على قول الصبي، فلم يُهدِر الشارعُ أقوال الصبي كلَّها.

بل إذا تأمَّلنا الشرعَ رأينا اعتبارَه لأقواله أكثر من إهداره لها، وإنَّما تُهدَر فيما فيه عليه ضررٌ، كالإقرار بالحدود والحقوق. فأمَّا ما هو نفعٌ محضٌ له في الدنيا والآخرة كالإسلام، فاعتبار قوله فيه أولى من إهداره، إذ أصول الشرع تشهد باعتبار قوله فيه.

وأيضًا: فإنَّ الإسلام عبادةٌ محضة وطاعة لله وقربة له، فلم يكن البلوغ شرطًا في صحتها، كحجه وصومه وصلاته وقراءته، وأنَّ الله تعالى دعا عبادَه إلى دار السلام، وجعل طريقها الإسلام، وجعل مَن لم يُجِب دعوتَه في الجحيم والعذاب الأليم. فكيف يجوز منْعُ الصبي من إجابة (٢) دعوة الله مع


(١) أخرجه مالك (٢١٢٦) وعبد الرزاق (١٥٤٩٤، ١٥٤٩٥) وابن أبي شيبة (٢١٤٣٣) وابن المنذر في «الأوسط» (٧/ ٢٧١) والحاكم (٢/ ٢٨٦) من طريقين عن عبد الله بن الزبير.
(٢) في الأصل: «لمن جابه»، تصحيف. والتصحيح من «المغني» (١٢/ ٢٧٩)، فإن المؤلف صادر عنه.