للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ربُّنا، بل هم في حال كفرهم الحقيقي وعنادهم وتكذيبهم للرسل مُقِرُّون بأنَّ الله ربُّهم. وقد عرَضَ لهم ما غيَّر تلك الفطرة التي فُطروا عليها، فكانوا مع ذلك مُقِرِّين بأنَّه ربُّهم طوعًا واختيارًا لا تقيَّةً، فكيف يقولون ذلك تقيَّةً في الحال التي لم يعرِض لهم فيها شيء من أسباب الشرك، ولا كان هناك شياطين تُضِلُّهم؟ فهذا ممَّا يُعلَم بطلانُ تفسير الآية به قطعًا بلا توقُّفٍ.

وكذلك قوله: «فقال هو والملائكة: {شَهِدْنَا}»، هذا خطأ (١) قطعًا، بل هو من تمام كلامهم وأنَّهم قالوا: {بَلَى شَهِدْنَا}، أي: أقررنا، كما قال الرسل لما أخذ عليهم الميثاق في قوله: {لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ آاقْرَرْتُمْ وَأَخَذتُّمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: ٨٠].

وكأنَّ قائل هذا القول ظنَّ أنَّ قوله: {أَن يَقُولُوا يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} تعليل (٢) لقوله: {شَهِدْنَا}، وذلك لا يلتئم علةً له، فقال: «قوله: {شَهِدْنَا} يقوله الله والملائكة»، أي: شهدنا عليهم لئلَّا يقولوا يوم القيامة: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}. ولكن ذلك تعليلٌ لأخذهم وإشهادهم على أنفسهم، أي: أشهدهم على أنفسهم فشهدوا لئلَّا يقولوا يوم القيامة ذلك. ليس المعنى: شهدنا لئلَّا يقولوا، ولكن: أشهَدَهم فشهدوا (٣) لئلَّا يقولوا.


(١) في الأصل والمطبوع: «خطاب»، خطأ.
(٢) في الأصل: «تعليلًا» على توهُّم أن السياق: «ظن قولَه».
(٣) «فشهدوا» ساقط من المطبوع.