قال (١): ووحَّد وهو يريد الجمع، كما قال:{يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار: ٦]، و:{يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}[الانشقاق: ٦]، و {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ}[الزمر: ٩].
وهذا وإن كان له وجهٌ فسياق الكلام يأباه، فتأمَّلْه وتأمَّلْ قوله تعالى:{يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}[يونس: ٩٤]، وقوله:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}[يونس: ٩٦]، وقوله:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس: ٩٩]، وهذا كله خطاب واحدٌ متصلٌ بعضه ببعضٍ.
ولما عرف أرباب هذا القول أن الخطاب لا يتوجَّه إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: الخطاب له والمراد به هذا الصنف الشاكّ. وكل هذا فرارٌ من توهُّمِ ما ليس بموهومٍ، وهو وقوع الشك منه والسؤال، وقد بيَّنا أنه لا يلزم إمكان ذلك فضلًا عن وقوعه.
فإن قيل: فإذا لم يكن واقعًا ولا ممكنًا فما مقصود الخطاب والمراد به؟
قيل: المقصود به إقامة الحجة على منكري النبوات والتوحيد، وأنهم مقرُّون بذلك لا يجحدونه ولا ينكرونه، وأن الله سبحانه أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه بذلك، وأرسل ملائكته إلى أنبيائه بوحيه وكلامه، فمن شكَّ في ذلك فليسأل أهل الكتاب. فأخرج هذا المعنى في أوجز عبارةٍ وأدلِّها