للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على المقصود، بأن جعل الخطاب لرسوله الذي لم يشكَّ قطُّ ولم يسألْ قطُّ، ولا عرضَ له ما يقتضي ذلك. وأنتَ إذا تأملتَ هذا الخطاب بدا لك على صفحاته: مَن شكَّ فليسألْ فرسولي لم يشكَّ ولم يسألْ.

والمقصود ذكر بعض الحكمة في إبقاء أهل الكتاب بالجزية، وهذه الحكمة منتفيةٌ في حق غيرهم، فيجب قتالهم حتى يكون الدين كلُّه لله.

والمسألة مبنيةٌ على حرفٍ، وهو أن الجزية هل وُضِعت عاصمةً للدم، أو مُظهِرًا لصَغار الكفر وإذلال أهله فهي عقوبةٌ؟

فمن راعى فيها المعنى الأول قال: لا يلزم من عصمتها لدم من خفَّ كفرُه بالنسبة إلى غيره ــ وهم أهل الكتاب ــ أن تكون عاصمةً لدم من يغلُظ كفره.

ومن راعى فيها المعنى الثاني قال: المقصود إظهار صَغار الكفر وأهله وقهرهم، وهذا أمرٌ لا يختصُّ أهلَ الكتاب بل يعمُّ كلَّ كافرٍ.

قالوا: وقد أشار النصُّ إلى هذا المعنى بعينه في قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩]، فالجزية صَغارٌ وإذلالٌ، ولهذا كانت بمنزلة ضرب الرقّ.

قالوا: وإذا جاز إقرارهم بالرقّ على كفرهم جاز إقرارهم عليه بالجزية بل أولى (١)؛ لأن عقوبة الجزية أعظم من عقوبة الرق؛ ولهذا يُسترقُّ من لا


(١) كذا في الأصل. وفي المطبوع: "بالأولى".