للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النار كان ذلك إنكارًا وإبطالًا لقولهما: «لم تبلغ الحنث» وتصحيحًا، لأنَّها كانت قد بلغت الحنث بوحيٍ من الله إليه بخلاف ظنِّهما. لا يجوز إلَّا هذا القول، لأنَّ كلامه - صلى الله عليه وسلم - لا يتناقض ولا يتكاذب ولا يخالف كلام ربه، بل كلامه يصدِّق بعضه بعضًا، ويُوافِق ما أخبر به ربُّه عز وجل، ومعاذ الله من غير ذلك! وقد صحَّ إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنَّ أطفال المشركين في الجنة. وقال تعالى: {وَإِذَا اَلْمَوْءُ دَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: ٨ ــ ٩]، فنصَّ تعالى على أنَّه لا ذنبَ للمَوءُودة. فكان هذا مبينًا لأنَّ إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنَّ تلك الموءودة في النار إخبارٌ عن أنَّها كانت قد بلغت الحِنثَ بخلاف ظنِّ إخوتها.

وقد روى هذا الحديث عن داود بن أبي هند: محمدُ بنُ أبي عَدِي، وليس هو دون المُعتَمِر، ولم يذكر فيه: «لم تبلغ الحنث». ورواه أيضًا عن داود: عُبيدة بن حميد، فلم يذكر هذه اللفظة التي ذكرها المعتمر (١) ــ ثم ساق الحديثين ــ (٢).


(١) من طريق المعتمر (عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن سلمة بن يزيد الجعفي) أخرجه النسائي في «الكبرى» (١١٥٨٥) والطبراني في «الكبير» (٧/ ٣٩). وانظر ما سبق (ص ٢٢٧ - ٢٢٩).
(٢) أي حديثي محمد بن أبي عدي وعُبيدة بن حميد، كلاهما عن داود بن أبي هند. أما الأول فساقه من طريق أحمد بن حنبل ــ وهو في «المسند» (١٥٩٢٣) ــ عن محمد بن أبي عدي به. وأما الثاني فأخرجه من طريق محمد بن وضَّاح القرطبي، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عُبيدة بن حميد به. ومحمد بن وضَّاح قد خالفه ابنُ أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢٤٧٤) فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة بإثبات هذه اللفظة: «لم تبلغ الحنث»، وابنُ أبي عاصم أحفظ وأعلم وأضبط من محمد بن وضاح، وقد حفظ الزيادة في الحديث، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.