للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالوا: لو كان ذلك حقًّا لَلَزِم أن يموت الإنسان ثلاث مرَّات، ويحيا ثلاث مرات، والقُرآن دلَّ على أنهما مَوتتان وحَياتان (١): وهذا ضعيفٌ جِدًّا؛ فإنَّ حياة الرُّوح ليست حياة تامَّةً مستقلَّة كالحياة الدُّنيا، كالحياة الآخرة بعد البعث، وإنَّما فيها نوع اتِّصالٍ بالبَدَنِ، بحيث يحصل شعور للبدن، وإحساس بالنَّعيم والعذاب وغيرهما؛ وليس هو حياة تامَّةً حتَّى يكون انفصالُ الرُّوح به موتًا تامًّا! وإنَّما هو شبيهٌ بانفصالِ روحِ النَّائمِ عنه، ورجوعها إليه؛ فإنَّ ذلك يُسمَّى موتًا وحياةً» (٢).

وليست تُشترط سلامة البِنْيَةِ وعدم انتقاضها ليصحَّ حلول الرُّوح فيها، فإنَّ هذا مَدفوعٌ مِن وجهين:

الأوَّل: أنَّ البِنْيَةَ لا تنتقض بالموت نفسِه، فقد يبقى بعضُ الموتى في قبورهم على بِنْيتِهم زمانًا ولا يتغيَّر حالهم، وقد ثبتَ النصُّ بتخصيص الأنبياء عليهم السلام بذلك (٣)؛ وكذا دلَّت المشاهدة على تحقُّقه لبعضِ الموتى (٤).

الثَّاني: أنَّه وإن انتقَضَت بعض البِنية؛ فلا يمنع هذا الانتقاض مِن حلول الرُّوح بالباقي من بَدَن الميت، ولهذا فإِنَّه من المشاهَد قطعُ يَدي الحيوان ورجليه وهو حيٌّ، وقد عقد البيهقيُّ بابًا في كتابه «إثبات عذاب القبر» وَسَمَه بِـ «باب: جواز الحياة في جزءٍ منفرد، وأنَّ البِنية ليست من شرط الحياة، كما أنَّها ليست من شرط الحيِّ، وفي ذلك جواز تعذيب الأجزاء المتفرِّقة» (٥).


(١) يشيرون إلى قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [١١].
(٢) «أهوال القبور» (ص/٨٣).
(٣) كالحديث الذي أخرجه أبو داود في «السنن» (ك: الصلاة، باب: الاستغفار، رقم: ١٥٣١)، والنسائي في «السُّنن» (ك: الجمعة، باب: إكثار الصلاة على النبي يوم الجمعة، رقم: ١٣٧٤)، وابن ماجه في «السنن» (ك: إقامة الصلاة، باب: في فضل الجمعة، رقم:١٠٨٥) من حديث أَوْس بن أَوس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله تبارك وتعالى حرّم على الأرضِ أجسادَ الأنبياء»، وصحَّحه النَّووي في «الأَذكار» (ص/١١٥)، وابن قيِّم الجوزيَّة في «جلاء الأَفهام» (ص/٨٠).
(٤) كما حصل -مثلا- لجابر بن عبد الله رضي الله عنه حين غيَّر قبرَ والدِه رضي الله عنه المُستشهد في أُحد، حيث يقول: « .. فَأَخْرَجته بعد سِتَّةِ أشهر، فإذا هو كيَوْم وَضعته هُنيَّة غير أُذُنه»، رواه البُخاري في (ك: الجنائز، باب: هل يخرج الميِّت من القبر واللَّحد لعلَّة، رقم: ١٣٥١).
(٥) «إثبات عذاب القَبر» للبيهقي (ص/٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>