للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١]، وقولِه تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢]، وقولِه سبحانه: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ (٣٤) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي} [ص: ٣٤ - ٣٥]، وقال عن يونس عليه السلام: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَاّ إِلَهَ إِلَاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧].

على أنَّ الأنبياء وإن وَقعوا في شيءٍ مِن هذا الَّلَمِ فإنَّهم لا يُقَرُّون عليه، بل يُسارعون إلى التَّوبةِ والإنابةِ على الفَورِ، وفي هذا ما يَكفي لدحضِ شُبهةِ مَن جعل القولَ بجواز وقوعهم في الصَّغائر مُستلزمًا لمحبَّةِ الله لها، بدعوى أمرِه باتِّباعهم.

أمَّا ما زعمه المُنكرِ في دعوى المُعارضة الثَّالثة: من أنَّ في اقتصارِ النَّبي صلى الله عليه وسلم على الشَّفاعةِ لأمَّته -كما هو ظاهر الحديث- تخييبًا لباقي الأُمم الَّتي ترَّجت منه ذلك، فيُقال في جوابه:

إنَّ الشَّفاعة الَّتي وَرَدت في أحاديثِ المَقام المَحمودِ نوعان:

أ- الشَّفاعة النَّبويَّة العامَّة لفصلِ القَضاء.

ب- والشَّفاعة الخاصَّة للمذنبين مِن أمَّته صلى الله عليه وسلم (١).

فالَّذي طَلَبته الأُمَم من نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم هو النَّوعُ الأوَّل بخاصَّةٍ، وهو ما سيلبِّيه لهم.

وسَبب اللَّبس عند المُعترض: أنَّ حديث أبي هريرة الطَّويل في الشَّفاعة الكبرى -ومثله حديث أنس رضي الله عنه (٢) - قد اختصَرَ فيه الرُّواة لفظَ الشَّفاعة العَّامة، وانتقلوا إلى ذكرِ لفظِ شفاعتِه الخاصَّة في عُصاة المسلمين، ولا رَيْب أنَّ حصول هذه الشَّفاعة الخاصَّة لا يكون إلَّا بعد حصول الشَّفاعة العامَّة، «وكان مَقصود السَّلَف في الاقتصارِ على هذا المِقدار من الحديث: هو الرَّد على الخوارج ومَن


(١) انظر «فتح الباري» لابن حجر (١١/ ٤٢٧).
(٢) الذي أخرجه البخاري في (ك: التفسير، باب: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، رقم: ٤٤٧٦)، ومسلم في (ك: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلا، رقم: ٣٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>