للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجسامًا، فالأقسام الأربعة مُمكنةٌ مَقدورةٌ للرَّبِ تعالى، ولا يَستلزم جمعًا بين النَّقيضين، ولا شيئًا من المُحال.

ولا حاجة إلى تكلُّفِ مَن قال: أنَّ الذَّبح لملَكِ المَوتِ! فهذا كلُّه مِن الاستدراك الفاسدِ على الله ورسولِه، والتَّأويلِ الباطلِ الَّذي لا يُوجِبه عقلٌ ولا نقلٌ، وسببُه: قِلَّة الفهمِ لمُرادِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم مِن كلامِه؛ فظنَّ هذا القائلُ أنَّ لفظَ الحديثِ يدلُّ على أنَّ نفسَ العَرَضِ يُذبح، وظنَّ غالطٌ آخر أنَّ العَرَضَ يُعدَم ويزول، ويصير مكانَه جسمٌ يُذبح!

ولم يهتدِ الفريقان إلى هذا القول الَّذي ذكرناه، وأنَّ الله سبحانه يُنشِئ مِن الأعراض أجسامًا، ويجعلها مادَّة لها، كما في الصَّحيح عنه: «تَجِيء البقرة وآل عمران يومَ القيامة كأنَّهما غَمامَتان» الحديث (١)، فهذه هي القراءة الَّتي يُنشِئها الله سبحانه وتعالى غَمامتين.

وكذلك قوله في الحديث الآخر: «إنَّ ما تذكرون مِن جَلال الله: مِن تسبيحِه، وتحميدِه، وتهليلِه، يتَعاطَفن حول العرشِ، لهن دَوِيٌّ كدَويِّ النَّحل، يُذكِّرنَ بصاحبهنَّ»، ذكره أحمد (٢).

وكذلك قوله في حديث عذابِ القبر ونعيمه، للصُّورة الَّتي يراها فيقول: «مَن أنت؟ فيقول: أنا عملُك الصَّالح، .. وأنا عملُك السَّيء» (٣).

وهذا حقيقةٌ لا خيال، ولكنَّ الله سبحانه أنشأَ له مِن عملِه صورةً حسنةً وصورةً قبيحةً، وهل النُّور الَّذي يُقسَم بين المؤمنين يومَ القيامة إلَّا نفسُ إيمانهم؟!


(١) أخرجه مسلم في (ك: الصلاة، باب: فضل قراءة القرآن، وسورة البقرة، برقم: ٨٠٤).
(٢) أخرجه في «المسند» (٣٠/ ٣٣٧، رقم: ١٨٣٨٨)، وقال مخرجوه في هامشه: «إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصَّحيح، غير موسى بن مسلم الطحان، فمِن رجال أصحاب السُّنن عدا الترمذي، وهو ثقة».
(٣) أخرجه أحمد في «المسند» (٣٠/ ٥٠١، برقم: ١٨٥٣٤)، والحاكم في «المستدرك» (ك: الإيمان، رقم: ١٠٧) وغيرهما، قال البيهقي في «الشُعب» (١/ ٦١٠): «هذا حديث صحيح الإسناد»، وقال ابن منده في «الإيمان» (٢/ ٩٦٢): «هذا إسناد متصل مشهور، رواه جماعة عن البراء .. وهو ثابت على رسم الجماعة».

<<  <  ج: ص:  >  >>