للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنقلب حِبالُهم وعِصيُّهم حيَّاتٍ فِعلًا، ولكن خُيِّل إلى النَّاسِ -وموسى معهم- أنَّها تَسعى ..

هذه هي طبيعة السِّحر كما ينبغي لنا أن نُسلِّم بها، وهو بهذه الطَّبيعة يؤثِّر في النَّاس، ويُنشِئ لهم مَشاعر وِفقَ إيحائِه .. مَشاعرَ تُخِيفهم وتُؤذِيهم، وتُوَجِّههم الوِجهةَ الَّتي يريدُها السَّاحر، وعند هذا الحَدِّ نقِفُ في فهمِ طبيعةِ السِّحرِ والنَّفثِ في العُقَد» (١).

المعارضة الثَّانية: أنَّ في إثباتِ الحديثِ زَعْزعةَ الثِّقةِ بعصمةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، خصوصًا ما تَعلَّق بأمرِ التَّبليغ؛ إذْ لو جُوِّز أنَّه سُحِرَ، وأنَّه يُخيَّل إليه أنَّه يفعلُ الأَمر ولا يفعله: فليس عندئذٍ ما يَمنعُ مِن جريانِ هذا التَّخيِيل فيما يُبلِّغُهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتسقطُ عند ذلك الثِّقةُ بالدِّين.

وفي تقريرِ هذا الاعتراض، يقول (محمَّد عبده) في تفسيرِه لـ «جزءَ عمَّ»:

«لا يخفى أنَّ تأثيرَ السِّحرِ في نفسِه صلى الله عليه وسلم حتَّى يَصِلَ به الأمرُ إلى أن يظنَّ أنَّه فَعَلَ شيئًا وهو لا يفعله: ليس مِن قَبِيل تأثيرِ الأمراضِ في الأبدان، ولا قَبيل عُروضِ السَّهو والنِّسيانِ في بعض الأمور العاديَّة، بل هو مَاسٌّ للعقلِ، آخذٌ بالرُّوح ..

وإذا خولِط النَّبي صلى الله عليه وسلم في عقلِه كما زَعموا، جازَ عليه أن يَظُنَّ أنَّه بلَّغ شيئًا، وهو لم يبلِّغه، أو أنَّ شيئًا نَزَل عليه، وهو لم يَنزل عليه!» (٢).

ويختارُ (سيِّد قُطب) السَّيْرَ على مِنوالِ (عبدُه) مرَّة أخرى في مَوقِفه مِن هذا الحديث، مُوثِرًا الشَّطبَ على كلِّ ما يَمَسُّ في رأيِه جَناب التَّبليغ، فتراه يقول: «هذه الرِّوايات تُخالف أصلَ العِصمة النَّبوية في الفعلِ والتَّبليغ، ولا تَستقيم مع الاعتقادِ بأنَّ كلَّ فِعلٍ مِن أفعاله صلى الله عليه وسلم، وكلَّ قَوْلٍ مِن أقوالِه سُنَّة وشريعة» (٣).


(١) «في ظلال القرآن» (٦/ ٤٠٠٧).
(٢) «مجلة المنار» (٣٣/ ٤١ - ٤٣).
(٣) «في ظلال القرآن» (٦/ ٤٠٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>