للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَلقَّى من الله وملائكتِه؛ ولا ريبَ أنَّ الحال الَّتي ذُكِر في الحديثِ عُروضُها له صلى الله عليه وسلم لفترةٍ خاصَّةٍ، ليست هي هذه الَّتي زَعَمها المشركون، ولا هي مِن قِبَلِها في شيءٍ مِن الأوصافِ المَذكورة» (١).

وعلى كلِّ حالٍ، فإنَّ الحال الَّتي عَرَضت للنَّبي صلى الله عليه وسلم لم تَلْبَث طويلًا حتَّى كشَفَها الله تعالى عنه، فلم يَشتهر أنَّ مرَضَه هذا قد طَال به، ولو طال به صلى الله عليه وسلم لنُقِل ذلك مُتواترًا، لتوفُّرِ الدَّواعي لنقلِه، لمزيدِ اعتناءِ أصحابِه بشأنِه صلى الله عليه وسلم، لكنَّه لم يَتَعدَّ حالَ مَن عُقِد عن النِّساء مُدَّةً يَسيرةً (٢).

ولذا وَقَع في روايةِ أبي ضِمرة عند الإسماعيليِّ: «فأقامَ أربعينَ ليلةً» (٣).

أمَّا ما جاء في روايِة وُهيب عن هشام بن عروة: «ستَّة أشهر» (٤): فالجمَعُ بينها وبين المُدَّة السَّابقة: «بأنْ تكون السِّتة أشهرٍ مِن ابتداءِ تغيُّر مَزاجِه، والأربعين يومًا مِن استحكامِه» (٥).

وأمَّا الجواب عن دعواهم أنَّ السِّحر مِن عَمَلِ الشيطان، وأَثَرٌ من آثارِ النُّفوس الخَبيثةِ؛ فمُحال أن يؤثِّر ذلك على جسدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم .. إلخ؛ فيُقال فيه:

إنْ كان جائزًا على النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يَعرِضَ له أذَى شيطانِ الإنسِ -مع كونِ هذا خسيسًا في نفسِه، هزيلًا في قِواه إزاءَ قوَّة النَّبي- فأيُّ مانعٍ مِن أن يَعْرِض له ذلك مِن شيطان الجِنِّ؟! ثمَّ يكشف الله عنه أذى الكُلِّ ومَكرَهما؛ ليس في العقلِ ولا النَّقل ما يمنعُ ذلك.

فذاك أخوه أَيُّوب عليه السلام، قد تَسلَّط الشَّيطان على جسدِه حتَّى أمرضَه، قد أنزلَ الله تعالى فيه: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: ٤١].


(١) «الأنوار الكاشفة» (ص/٢٥٢).
(٢) انظر «زاد المسلم» لمحمد حبيب الشنقيطي (٢/ ٢٢٤).
(٣) أشار إليها ابن حجر في «الفتح» (١٠/ ٢٣٧).
(٤) أخرجها أحمد في «المسند» (٤٠/ ٤٠٥، رقم: ٢٤٣٤٧)، وصحَّحها ابن حجر في «الفتح» (١٠/ ٢٣٧).
(٥) «الفتح» (١٠/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>