للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول محمَّد الأمين الشَّنقيطي: «هذا لا يُنافي أنَّ الشَّيطانَ لا سُلطانَ له على مثلِ أيُّوب عليه السلام؛ لأنَّ التَّسليطَ على الأهلِ، والمالِ، والجَسدِ، مِن جِنْسِ الأَسبابِ الَّتي تَنشأ عنها الأعراضُ البَشريَّة: كالمرضِ، وذلك يقعُ للأنبياء، فإنَّهم يُصيبهم المَرض، وموت الأهل، وهلاك المال؛ لأسبابٍ مُتنوِّعة، ولا مانعَ مِن أن يكون جملة تلك الأسباب: تسليطُ الشَّيطان على ذلك للابتلاءِ ... » (١).

فإذا جاز تسلُّطه على نبيِّ الله أَيُّوب عليه السلام؛ فما المانع من إمكانِ تسلُّطِه على النَّبي صلى الله عليه وسلم؟!

يقول المهلَّب بن أبي صفرة (ت ٤٣٥ هـ): «صَوْنُ النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن الشَّياطين لا يَمنع إرادَتهم كيدَه، فقد مضَى في «الصَّحيح» أنَّ شيطانًا أرادَ أن يُفسِد عليه صلاتَه، فأمكنه الله مِنه، فكذلك السِّحر، ما نالَه مِن ضررِه ما يُدخل نقصًا على ما يتعلَّق بالتَّبليغ، بل هو مِن جنسِ ما كان يناله مِن ضَرر سائرِ الأمراض، مِن ضعفٍ عن الكلام، أو عجزٍ عن بعضِ الفعل، أو حدوثِ تخيُّل لا يستمر بل يزول، ويُبطلُ الله كيدَ الشَّياطين» (٢).

قلت: ودعواهم بأنَّ نَفْسَ محمَّد صلى الله عليه وسلم زكيَّة عَليَّة، فحاشاها أن تَمسَّها النُّفوسُ الخَبيثةِ الدَّنية بسوءٍ: فإنَّه وإن كان وصفُهم لنفسِ النَّبي صلى الله عليه وسلم صادقًا في ذاتِه، فإنَّ تأليفَ الكلامِ في مجملِه مُجرَّد عاطفة عَريَّة عن مَحجَّة، لا يصمدُ أمامَ ما تَقَدَّم مِن الحُججِ النَّقليَّة والعقليَّة.

وهل كان مَن تَسلَّط عليه في أُحُدٍ، فأدْمَوا رِجلَه الشَّريفة، وكسروا رُباعيتَه، وكادوا يقتلونه؛ إلَّا أصحابُ نفوسٍ خَبيثةٍ دنيَّةٍ؟!

ثمَّ مَن قال أنَّ السِّحر الَّذي مَسَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان بواسطةِ أرواحٍ شَيطانيَّة تمكَّنت من جسَدِه؟! فليس كلُّ سِحْرٍ يكون معه عارِض شيطانيٌّ أو خادم سحر؛ بل الظَّاهر مِن الحديث أنَّه مِن نوعِ السِّحر الَّذي تُستعمَل فيه بعض المَوادِّ لطبائعَ


(١) «أضواء البيان» (٤/ ٨٥٢).
(٢) «فتح الباري» لابن حجر (١٠/ ٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>