للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشِّباك، يُسَمَّى المنهجَ العلميِّ، وقد يكون في البحرِ الَّذي لا يُمكننا أن نَسبر غورَه، الكثير ممَّا تعجز شِباك العلم عن اقتناصِه» (١).

وأمَّا دعوى (الجابريِّ) في المعارضِ الثَّاني: كون القرآنَ الآيةَ الَّتي اختُصَّ بها النَّبي صلى الله عليه وسلم، فلا تكون له آيةٌ أخرى تخرق العادَة:

فهذه بيِّنة البطلان؛ لأنَّ الاختصاصَ بالقرآن لا يَقضي على الآياتِ الأخرى بالنَّفي، واستدلاله على نفيِه ذاك بقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}: ليس له فيه مُستمسك؛ لأنَّ الإغلاقَ واقعٌ في إجابةِ أهلِ مكَّةَ فيما اقترحوه مِن الآياتِ بعينِها، وليس في مُطلق الآيات، لأنَّ (الـ) التَّعريف في قولِه: {الآيَاتِ} عَهديَّة، وسَيأتي تحقيقه قريبًا.

أمَّا حصول الكفايةِ بالقرآن: فهو حقٌّ لا نُماري فيه، فهي الآية الكبرى لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم، لكنْ لا يقتضي هذا نفيَ ما عداه مِن الآيات الحسيَّة الَّتي تواترت بها أخبار الثِّقات! فإنْ كان «القرآن مُعجِزًا ثابتًا بالتَّواتر اللَّفظي، فباقي المعجزاتِ بالتَّواتر المَعنَوِيِّ» (٢)؛ ومثل هذه السُّنَن المُتناقلة مُفسِّرة للقرآن، ومبيِّنة لمُجمَلِه، فوُرود هذه الآيات ورودًا قطعيًّا من جِهة النَّقل مُبيِّنٌ عن المعنيِّ بالآياتِ.


(١) «بساطة العلم» لـ بيك ستانلي (ص/٢٢٩).

وللبروفيسور (سوليفان) كتاب خاصٌّ في هذه القضيَّة أسماه «حدود العلم»، قد محَّض كاملَه للتَّأكيد على قصور العلم الإنسانيِّ، واستحالةِ إحاطته بكلِّ الحقائق الوجوديَّة، وإثبات أنَّ له حدودًا لا بدَّ أن يقف عندها، وأثبت أنَّ التَّحوُّلات العلميَّة في القرن العشرين تؤيِّد تلك النَّتيجة، فكان ممَّا قال فيه (ص/٣٢): « .. لقد أصبحَ العلم شديد الحساسيَّة، ومتواضعًا نسبيًّا، ولم نعد نلقِّن الآن أنَّ الأسلوب العلميَّ هو الأسلوب الوحيد النَّاجع لاكتساب المعرفة الحقيقيَّة .. إنَّ عددًا من رجال العلم البارزين يصرُّون بمنتهى الحماس على حقيقةٍ مؤدَّاها: أنَّ العلم لا يقدِّم لنا سوى معرفةٍ جزئيَّة عن الحقيقة، وأنَّ علينا لذلك أن لا نعتبر أو لا يُطلب منَّا أن نعتبر كلَّ شيءٍ يستطيع العلم تجاهله مجرَّدَ وهمٍ من الأوهام
(٢) «الانتصارات الإسلاميَّة» لنجم الدين الطُّوفي (٢/ ٥٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>