للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنا أنقل عن (محمَّد الغزالي) بَديعةً مِن بدائعِ تأمُّلاتِه في سيرةِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، جلَّى فيها بعضَ الحِكَم الَّتي لأجلها أيَّد الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم ببعضِ الآياتِ المرئيَّةِ، مع كونِه مُؤيَّدًا بتنزُّل أعظمِ آيةٍ عليه وهي القرآنِ، فيقول:

« .. حتَّى تنقطع الألسنة المعاندة، وحتَّى لا يُقال: إنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم لم يُسلَّح بما سُلِّح به الأنبياء السَّابقون مِن خوارق حسيَّة: أجرى الله خوارق حسيَّة على يَد نبيِّه محمَّد صلى الله عليه وسلم، مِن الَّنوع الَّذي يقهر أهلَ العِنادَ على الإيمان.

إنَّه أرى النَّاس أنَّ محمَّدًا مَوصول بالسَّماء، وأنَّ سُنَن الله الكونيَّة يُمكن أن تَلين له، وأنَّ خوارق العادات يمكن أن تَقع على يده، ولكنَّ مُعجزته الكبرى ليست هذه، مُعجزته الأولى هذا الكتاب الَّذي جاء يَفتح العُقول، ويصقل المعادن، ويرفع المُستويات.

ممكنٌ جدًّا أن تكثر هذه المعجزات، ولكنْ كما قيل: هذه خوارق أيَّد الله بها نبيَّه صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يعطها المكانةَ الأولى في الشَّهادة له بالنُّبوة، لأنَّ الشَّهادة له بالنُّبوة وتصديق الرِّسالة جاءت على النَّحو الَّذي يليق برسالةٍ عامَّةٍ خالدةٍ ..

وإذا كانت المعجزة تُورث أصحابَها الَّذين رأوها يقينًا، فإنَّ هذا القرآن لا يزال ـ كما قُلنا ـ يصنع اليَّقين، ويؤكِّد أنَّ الإسلام هو الحقُّ الفذُّ إلى يوم الدِّين» (١).

أمَّا ما أبداه الطَّاعنون في أحاديث المعجزات الحسيَّة مِن مُعارضتها لبَشريَّة الرَّسول، فجوابه أن يُقال: إنَّه لابدَّ للمعجزةِ بداهةً أن تكون خارقةً للعادةِ وفوق قدرةِ البَشرِ كي تُسمَّى آية، إذ لو كانت بمَقدورِ البَشر، لانتفت عنها صِفة الإعجاز أو التَّصديق بالنُّبوة؛ فلا يستقيم عقلًا أن يُكذَّب بأخبارها بدعوى أنَّها تَتَجاوز بَشريَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم!

وإذا نَفوها عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم لبَشريتِه، فلينفوا مثلَها عن إخوانِه الأنبياء وقد وردت صراحةً في القرآن! فهل أولاءِ الرُّسل -بما أُيِّدوا به مِن آيات- إلَّا بَشرٌ مثل نبيِّنا؟!


(١) «خطب الشيخ محمد الغزالي» (٣/ ٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>