للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتواترِ عند كلِّ إنسان؛ فقد حَصل بهذه المعجزةِ العِلمُ اليقين الَّذي لا يَشكُّ فيه أحدٌ من العاقلين» (١).

وما حوته تلك الأحاديث المتظافرة مِن إثباتِ حادثة الانشقاقِ، قد ثبت بنصِّ القرآن الكريم، في قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} [القمر: ١ - ٢]، والقرآن مَنقولٌ بنقلِ الكافَّة عن الكافَّة، لا يمتري في هذا اثنان.

وفي تقرير هذين التَّواترين: التَّواتر القرآني، والتَّواتر الحَديثيُّ، يقول ابن تيميَّة:

«مَعلوم أنَّ هذه المعجزات لا ريبَ فيها، وانشقاق القمر قد أخبر الله به في القرآن، وتواترت به الأحاديث، كما في «الصَّحيحين» وغيرهما، عن ابن مسعود، وأنس، وابن عبَّاس، وغيرهم، وأيضَّا فكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهذه السُّورة في الأعياد، والمجامع العامَّة، فيسمعها المؤمن، والمنافق، ومَن في قلبه مرض، ومِن المعلوم أنَّ ذلك لو لم يكن وقع لم يكن ذلك:

أمَّا أوَّلًا: فلِأنَّ مَن مقصوده أنَّ النَّاسَ يصدِّقونه ويقِرُّون بما جاء به، لا يُخبرهم دائمًا بشيءٍ يعلمون كذبه فيه، فإنَّ هذا يُنفِّرهم، ويوجب تكذيبَهم لا تصديقَهم.

وأمَّا ثانيًا: فلِأنَّ المؤمنين كانوا يسألونه عن أدنى شبهةٍ تقع في القرآن .. فكيف يقرأ عليهم دائمًا ما فيه الخبر بانشقاق القمر، ولا يَردُّ على ذلك مؤمنٌ، ولا كافرٌ، ولا مُنافق؟!» (٢).

فإن زَعم زاعمٌ: أنَّ أسلوبَ الماضي في قوله تعالى: {وَانشَقَّ الْقَمَرُ} ليس على حقيقِته، وإنَّما غَرضه التَّأكيد على تحقُّقِ الفعل في المستقبل (٣) عند قيام


(١) «المفهمِ» (٧/ ٤٠٣).
(٢) «الصفدية» (١/ ١٣٩ - ١٤١).
(٣) انظر «دين السلطان» لنيازي عز الدين (ص/٤٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>