للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّاعة، نظير قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: ١]، فأمر الله الَّذي هو قيام السَّاعة لم يأتِ بعد، ولكن المراد المبالغة في تحقُّق وقوعِه، فنُزِّل منزلة الواقع.

فجواب ذلك مِن ثلاثة وجوه:

الأوَّل: أنَّ هذا المعنى الَّذي نَزع إليه المُعترض هو خلاف الظَّاهر من استعمال صيغة الماضي، الدَّالة في الأصلِ على الفراغِ من وقوعِ الفعل، وظواهر الكتابِ لا يجوز الخروج عنها إلَّا بقرينةٍ، ومَن تقحَّم الخروجَ بغير قرينةٍ توجب ذلك، فقد رامَ إفسادَ الخِطاب على النَّاس، وتلبيسَ المُراد من الكلام عليهم.

الثَّاني: ما أورده المعترضون دعمًا لشبهتهم مِن التَّمثيل بقوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} على استعمالِ الماضي في القرآن للمبالغةِ في تحقيق الأمر في المستقبل: هو في حقيقته عاضدٌ لما قرَّرناه مِن وجوبِ وجودِ القرينةِ الصَّارفةِ عن الأصل!

وذلك أنَّ هذه الآية الكريمة قد دلَّت على تحقُّقَ إتيان السَّاعةِ في المستقبل القريب، لا أنَّ الأمر أتى ووَقع، بقرينة قوله في آخرها: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، واستعجالُ الشَّيء لا يكون إلَّا عند عدم مَجيئِه أو تحقُّقه.

الثَّالث: ممَّا يؤيِّد أنَّ صيغةَ الماضي في آيةِ الانشقاقِ على ظاهِرها قوله تعالى بعدها: {وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} [القمر: ٢]، «فإنَّ ذلك ظاهرٌ في أنَّ المُراد بقوله: {وَانشَقَّ الْقَمَرُ}: وقوع انشقاقِه، لأنَّ الكُفَّار لا يقولون ذلك يومَ القيامة! وإذا تَبيَّن أنَّ قولهم ذلك إنمَّا هو في الدُّنيا، تَبيَّن وقوعُ الانشقاق، وأنَّه المراد بالآية الَّتي زعموا أنَّها سِحرٌ» (١) «مستمرٌّ مِن سِحرِه، وحيلةٌ مِن حِيَلِه، كما قد كانوا يقولون في غير ذلك مِن أعلامِه صلى الله عليه وسلم» (٢).


(١) «فتح الباري» لابن حجر (٧/ ١٨٦).
(٢) «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص/٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>