للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرْضِ خمسين، والاستعدادِ لأدائِها؛ ليكونَ هذا القبول والاستعداد مقتضيًا لاستحقاقِ ما أراد الله عز وجل أن يعطيَه وأمَّتَه مِن ثوابِ خمسين صلاة ...

فأمَّا المراجعة للتَّخفيف بعد مشورةِ موسى عليه السلام: فإِنَّما كانت بعد أن استقرَّ القَبول والعزمُ على الأداء، وعلى وجه الرَّجاء؛ إنْ خفَّف به فذاك، وإلَّا فالقبول والاستعداد بحاله.

ولم يُذكَر في الحديث أنَّ أحدًا من الرُّسل اطَّلع على فرض الصَّلاة، وإِنَّما فيه: أنَّه لمَّا مرَّ محمَّد بموسى عليهما السلام سأله موسى، فأخبره .. واختُصَّ موسى بالعناية؛ لأنَّه أقرب الرُّسل حالًا إلى محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ كُلًّا منهما رسولٌ مُنَزَّلٌ عليه كتابٌ تشريعيٌّ سائسٌ لأمَّة أريد لها البقاء، لا أنْ تُصْطَلَم بالعَذاب» (١).

وبهذا يتقرَّر انتفاءُ هذا اللَّازم عمَّن يُثبِت أخبارَ المعراج؛ إذ لا ريب في شمول علم الله تعالى لأحوال عباده وما يصلحهم، «ولكنَّ الباري جل جلاله أراد أن يُظهِر فضيلةَ محمَّد صلى الله عليه وسلم في خضوعِه وتسليمِه، وفضيلة موسى عليه السلام، بأن جعَلَه سَببًا للتَّخفيفِ عن هذه الأمَّة، مع إبرازِ عظيمِ رحمتِه بهذه الأمَّة، ومع ما في هذه المُراجعةِ مِن كريمِ المُناجاة بين الله تعالى ونبيِّه صلى الله عليه وسلم» (٢).

وأمَّا قول القائلِ في المعارضةِ الثَّالثةِ: أنَّ في ثبوتِ هذا الخَبرِ ما يَستلزم التَّناقضَ؛ إذْ كيف يَرى النَّبيُ صلى الله عليه وسلم الأنبياء في بيت المقدس ويُصلِّي بهم، ثمَّ يكون في الوقتِ ذاتِه في السَّماء؟ وكيف يكون موسى عليه السلام في السَّماء السَّادسة، ويراه في الوقتِ نفسِه في قبره يصلِّي؟

فيُقال له: ليس هناك تَناقضٌ إلَّا في ذهنه؛ فإنَّ شرطَ التناقُضِ وَحدةُ الزَّمان؛ وهذا غير مُتحقِّق هنا، ذلك أنَّه صلى الله عليه وسلم حينما أُسْرِي به إلى بيتِ المَقدس، أَمَّ الأنبياءَ -عليهم الصَّلاة والسَّلام-، ومِن المَعلوم أنَّ وقتَ صلاتِه بهم لم يكُن وقتَ رؤيتِه لهم في السَّماء حينما عُرِج به.


(١) «الأنوار الكاشفة» (ص/١٢٠ - ١٢١).
(٢) «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٣٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>