للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغير هؤلاء من أهل العلم مَن ذَهَب مذهبًا مختلفًا، حيث أثبتوا عذابًا لأهلِ الفترةِ، ويُوفِّقون بين نصوص العذاب والأصل السَّابقِ تقريره بسلوك ثلاثةِ مسالك في الجمع:

الأوَّل: أنَّ هؤلاء الَّذين جاء الَخبر بتعذيبِهم مِن أهل الجاهليَّة، كانوا على علمٍ بدعوة الرُّسل السَّابقين، فهم في الحقيقةِ مِمَّن قامت عليهم الحُجَّة بالرِّسالات السَّابقة.

هذا ما اختاره بعضُ أهل العلم على رأسهم النَّووي، وجعل حديث هذا الباب «إنَّ أبي وأباك في النَّار»: مِمَّا يُستنبط منه ذلك، فقال: «إنَّ مَن مات في الفترة على ما كانت عليه العَرَب مِن عبادةِ الأوثانِ فهو مِن أهلِ النَّار، وليس هذا مُؤاخذةً قبل بلوغ الدَّعوة، فإنَّ هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره مِن الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم» (١).

ومِمَّن قال بهذا القول نَفرٌ من العلماء ذَهبوا إلى أنَّ قريشًا ليسوا مِن أهل الفترة مطلقًا! كابنِ عطيَّة الأندلسيِّ (ت ٥٤٢ هـ) قال: « .. أمَّا صاحب الفترة فليس ككافر قريش قبل النَّبي صلى الله عليه وسلم، لأنَّ كُفَّار قريش وغيرهم ممَّن عَلِم وسَمِع عن نبوَّةٍ ورسالةٍ في أقطار الأرض فليس بصاحب فترةٍ، والنَّبي صلى الله عليه وسلم قد قال: أبي وأبوك في النَّار، ورأى عمرو بن لُحي في النَّار، إلى غير هذا ممَّا يطول ذكرُه، وأمَّا صاحب الفترةِ يُفرَض أنَّه آدميٌّ لم يَطرأ إليه أنَّ الله تعالى بعث رسولًا، ولا دعا إلى دين، وهذا قليل الوجود» (٢).

قلت: وهذا قولٌ يَحتاج قائله إلى إثباتِ قيام الحجَّة على آحادِهم! وأنَّهم علِموا بصدقِ الأنبياءِ وبلغتهم الرِّسالة! وإلَّا فليس ذكرِ بعض الأعيان في بعض الأخبار بكافٍ لتعميم حالهم على باقي جنسِهم.


(١) «شرح النووي على مسلم» (٣/ ٧٩).
(٢) «المحرر الوجيز» لابن عطية (٤/ ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>