للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو كان حكمُ أهلِ الفترةِ على وِزانٍ واحد مِن الهَلاك في الآخرة، لمَا وُجِد داعٍ لِأَن يسأله صلى الله عليه وسلم بعض النَّاس عن مصير آبائهم!

المسلك الثَّاني: القول بأنَّ أخبارَ العذابِ مَحمولة على مَن بَدَّل وغَيَّر وأشركَ وشرَعَ لنفسِه دينًا جديدًا: وهذا قولٌ قرَّره الأبيُّ (١).

ويردُّه: أن عددًا مِن النُّصوص جاءت بعذابِ أفرادٍ لم يثبُت عنهم تشريع ولا تَبديل قطعًا.

القول الثَّالث: أنَّ النُّصوص الَّتي فيها الإخبار بعذابِ بعضِ أهل الفترة، هي إخبار عن مآلِ امتحانِهم يوم القيامة، غاية ما فيها انكشاف علمِ الله فيهم بسابقِ السَّعادةِ أو الشَّقاوةِ.

وأجِدُني أنزعُ إلى هذا القولِ في الحكم على أهل الفترة في الجملة، لقوَّةِ أدلَّتِه وتماسكها، فقد صَحَّت عدَّة أخبار في امتحانِ أهلِ الفترةِ يوم القيامة، من ذلك:

حديث الأسود بن سريع رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة يحتجُّون يومَ القيامة: رجل لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرِم، ورجل مات في الفترة .. »، إلى أن قال: « .. وأمَّا الَّذي مات في الفترة فيقول: ربِّ، ما أتاني كتاب ولا رسول، فيأخذُ مواثيقَهم ليُطيعنَّه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النَّار، فوالَّذي نفس محمَّد بيدِه لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا» (٢).

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: « .. فمَن اقتحمها كانت عليه بردًا وسلامًا، وَمن لا حقَّت عليه كلمة العذاب» (٣).


(١) «إكمال الإكمال» (١/ ٦١٨)، وتبعَ عطيةَ بن عقيل في جعل أهل الفترة الناجين هم مَن لم يُوحِّد ولم يُشرك دون غيرهم.
(٢) أخرجه أحمد في «المسند» (رقم: ١٦٣٠١)، وقال مخرِّجوه: «حسن»، وابن راهويه في «مسنده» (رقم:٤١)، وابن حبان في «صحيحه» (ك: التاريخ، باب: ذكر الإخبار عن وصف الأقوام الذين يحتجون على الله يوم القيامة، رقم: ٧٣٥٧).
(٣) أخرجه أحمد في «المسند» (رقم: ١٦٣٠٢) وحسَّنه إسناده مُخرِّجوه، وابن أبي عاصم في «السنة» (رقم: ٤٠٤) وقال الألباني في «ظلال الجنة» (١/ ١٧٦): «حديث صحيح، ورجاله ثقات غير علي بن زيد، وهو ابن جدعان ضعيف، لكنه قد توبع»

<<  <  ج: ص:  >  >>