للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: « .. فيرفع لهم النَّار فيُقال، رِدوها، أو قال: ادخُلوها، فيدخلها مَن كان في علم الله سعيدًا أن لو أدرك العمل، قال: ويمسك عنها مَن كان في علم الله شقيًّا أن لو أدرك العمل، فيقول الله تبارك وتعالى: إيَّاي عصيتم؟ فكيف برُسلي بالغيب؟!» (١).

فهذه الأحاديث أخالها نصوصًا في محلِّ النِّزاع، وبموجِبها أخَذَ جمهور السَّلف، وحكاه أبو الحسن الأشعريُّ عن مذهب أهل السُّنة (٢)، وهو ما نصره البيهقيُّ مِن مُعتقدهم (٣)، واختاره ابن حزم (٤)، وابن تيميَّة (٥)، وابن القيِّم (٦)، وابن كثير (٧)، وابن حجر العسقلاني (٨).

فإن قيل: فقد أنكرَ ابن عبد البرِّ أحاديثَ الامتحانِ هذه، بكونِ ما وَرَد في بابِها ليس بقويٍّ، فلا تقوم بها حجَّة؛ والآخرةُ دار جَزاء، لا دار عمل وابتلاء، فكيف يُكلَّفون دخولَ النَّار وليس ذلك في وُسعِ المَخلوقين؟ والله لا يكلِّف نفسًا إلَّا وُسعها! (٩)

فيُردُّ عليه بما أجاب بِه ابنُ كثير قال:

«أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح، كما قد نصَّ على ذلك غير واحد من أئمَّة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يَقوى بالصَّحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدةً على هذا النَّمط، أفادت الحُجَّة عند النَّاظر فيها.


(١) أخرجه ابن الجعد في «المسند» (رقم: ٢٠٣٨)، وابن عبد البر في «التمهيد» (١٨/ ١٢٧)، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» (رقم:١٠٧٦)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧/ ٢١٦): «رواه البزار، وفيه عطية وهو ضعيف».
(٢) انظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٤/ ٢٨١)، و «تفسير القرآن العظيم» (٥/ ٥٨).
(٣) انظر «الاعتقاد» له (ص/١٦٦).
(٤) «الفِصل» (٣/ ٧٤) (٤/ ٥٠ - ٦٦).
(٥) «الجواب الصحيح» (٢/ ٢٩٨).
(٦) «طريق الهجرتين» (ص/٣٩٢).
(٧) «تفسير القرآن العظيم» (٥/ ٥٣ - ٥٦).
(٨) «فتح الباري» (٣/ ٤٤٥).
(٩) «الاستذكار» لابن عبد البر (٣/ ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>