للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الأُبِّي: «التَّعذيبُ الَمذكور في هذه الأحاديث على مَن بدَّل وغَيَّر مِن أهلِ الفترة، بما لا يُعذَر بِه مِن الضَّلال، كأن يكونَ وَأَدَ ابنةً، أو نحو ذلك مِمَّا هو مَعلومُ القُبحِ لَدى كلِّ العقلاءِ» (١).

فجائزٌ أن يكون ما سمِعه النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن عذابِ أهلِ الجاهليَّةِ في حائطِ بني النَّجار من هذا القَبيلِ.

والوجه الثَّاني: على فَرضِ القولِ بأنَّ التَّعذيب في القبرِ كان عِقابًا على الكفر، فإنَّ استشكالَ أحاديثِ الامتحان يوم القيامة إنَّما يَرِد على القولِ بأنَّ عامَّة أهل الفترةِ واقعون في الجهلِ في الدُّنيا، وأنَّهم يُعذَرون بجهلِهم هذا بإطلاقٍ.

بينما الصَّحيح أنَّ أهل الفترة على قسمين:

القسم الأوَّل: مَن فترَتُهم مِن جهةِ انقطاعِ الرُّسل فقط:

بحيث لم يُدرِكوا أيَّ نبيٍّ، وهم مع ذلك على عِلْمٍ بنَذاراتِ الأنبياءِ وحُجَج التَّوحيد وقبح التَّشريك: فهؤلاء مَحجوجون بهذه النَّذارات، لا يُعذَرون بتجاهلِهم وإعراضِهم عنها.

ففي مثلِ هؤلاء وَرَد بعضُ ما سَبق مِن نصوصِ السُّنةِ في عذابِ أهلِ الفترة، كالَّذي وَرَد في عذابِ أحَدِ أجوادِ العَرَب: عبد الله بن جدعان، لأجلِ إعراضِه، حيث سُئل النَّبي صلى الله عليه وسلم عنه كونِه في الجاهليَّة واصلًا للرَّحم، مُطعمًا للمسكين، فهل ذاك نافعه؟ فقال: «لا ينفُعه، إنَّه لم يَقُل يومًا: رَبِّ اغفر لي خطيئتي يومَ الدِّين» (٢)، أي كان الفَرضُ أن يقولَ ذلك لِعِلمه بأنَّه الحقُّ.

أو ما وَرد في عذابِ عمرو بن لُحَيٍّ (٣):لأجلِ تَبديلِه لدينِ إبراهيم عليه السلام


(١) «إكمال الإكمال» (١/ ٦١٨).
(٢) أخرجه مسلم في (ك: الإيمان، باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل، رقم: ٣٦٥).
(٣) عمرو بن لحيِّ: بن حارثة بن عمرو ابن عامر الأزدي، مِن قحطان، وفي العلماء مَن يجزم بأنَّه مضريٌّ مِن عدنان: أوَّل من غيَّر دين إسماعيل، ودعا العرب إلى عبادة الأوثان، بعد أن افتُتن بها في الشَّام، انظر «الأعلام» (٥/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>