للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خفِي عليه أمرُ رضاعِها مع ذاك الرَّجل، مع أنَّها زوجُه! (١)

فإن عادَ الدُّمياطي ليعترض على وجود المَحرميَّة بما أخبر أنس رضي الله عنه: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخلُ بيتًا بالمدينة غير بيتِ أمِّ سُليم، إلَّا على أزواجِه، فقيل له، فقال: «إنِّي أرحمُها، قُتل أخوها معي (٢») (٣)؛ يقول الدُّمياطي: «فبَيَّن تخصيصَها بذلك، فلو كان ثمَّةَ علَّةٌ أخرى لذَكَرَها، لأنَّ تأخيرَ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ لا يجوز» (٤).

فجوابنا عليه:

أنَّ السُّؤال الموجَّه إليه صلى الله عليه وسلم لم يكُن مِن الأصلِ عن عِلَّةِ دخولِه صلى الله عليه وسلم على امرأةٍ يَرَونها أجنبيَّة، فإنَّ هذا لا يُناسبه ما أجابَ به صلى الله عليه وسلم من رحمتِه إيَّاها بعد مَقتلِ أخيها! فهذه العِلَّة يشتركُ فيها أيضًا غيرُ أخيها حرام بن ملحانَ مِن السَّبعين الَّذين قُتلوا معه في بئرِ مَعونة وغيرِها مِن مشاهدِ القِتال، وهؤلاء قد وَجد عليهم أهليهم كالَّذي وجدته أمُّ سليم على أخيها! ومع ذلك لم يكُن النَّبي صلى الله عليه وسلم يزور أهليهم ولا يُعاملهم معاملةَ المحارِم، كما كان يفعله مع أمِّ سُليم وأختِها.

فتعيَّن أن يكون سؤالهم عن غيرِ ذلك؛ والأقربُ أن يكونَ النَّبي صلى الله عليه وسلم إنَّما سُئِل عمَّا لاحظوه مِن كثرةِ دخولِه عليها، وتخصيصِها بمزيد عناية.


(١) الأبعد من ذلك: أن يخفى أمر الرَّضاع على الرَّجل يرغبُ في العقدِ على امرأةٍ، فينكِحُها جهلًا منه أنَّها أختٌ له مِن الرَّضاع! كما وقع لعقبة بن الحارث رضي الله عنه حين تَزوَّج ابنةً لأبي إهاب بن عزيز، ثمَّ أتته امرأةٌ تقول: إنِّي قد أرضعتُ عقبةَ والَّتي تَزَوَّج! فقال لها عقبة: ما أعلمُ أنَّكِ أرْضَعتِني، ولا أخبرتِني! فرَكِب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف وقد قيل؟!»، ففارَقَها عُقبة، ونَكَحَت زوجًا غيره؛ أخرجه البخاري في (ك: العلم، باب: الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله، رقم: ٨٨).
(٢) أخوها: هو حرام بن ملحان، قُتل يوم بئر مَعونة، والمراد بقوله «معي»: أي مع عسكري، أو معي نصرةً للدِّين، لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في غزوة بئر معونة، انظر «عمدة القاري» (١٤/ ١٣٨).
(٣) أخرجه البخاري في (ك: الجهاد والسير، باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير، رقم: ٢٨٤٤)، ومسلم في (ك: الفضائل، باب: من فضائل أم سليم، أم أنس بن مالك، وبلال، رضي الله عنهما، رقم: ٢٤٥٥).
(٤) «عمدة القاري» (١١/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>