للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإِمَامي الأمصار» (١)، واحتَمَل له تأويلًا آخرَ قال فيه: «أو إنَّه تَوَّهم أن بإسلامِه يَنفسِخُ نكاحُ ابنتِه» (٢).

وتبِعَ ابنَ طاهرٍ على هذا الجوابِ أبو عمرو ابن الصَّلاح (٣) والنَّووي، وزادَ هذا: «لعلَّه صلى الله عليه وسلم أرادَ بقولِه (نعم): أنَّ مَقصودَك يحصُل، وإن لم يَكُن بحقيقةِ عَقدٍ» (٤).

قلت: ولا يخفى ما في هذه التَّأويلات مِن نوعُ تَكلُّفٍ، والنَّص العَربيُّ المُبين لا مجالَ للكهانةِ أمامَه، وما ذَكَره ابنُ الصَّلاحِ في معنى الحديث ليس مَفهومًا مِنه لا نَصًّا ولا إيماءً ولا استنتاجًا! وليس هو احتمالًا مُتعيِّنًا (٥).

وقد أُجيبَ عن هذا التَّأويلِ «بأنَّ في الحديث أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم وعَدَه، وهو الصَّادقُ الوَعد، ولم يَنقُل أحَدٌ قَطُّ أنَّه جَدَّد العقدَ على أمِّ حَبيبة، ومثل هذا لو كان لنُقِل، ولو نَقْلَ واحدٍ عن واحدٍ، فحيثُ لم يَنقُله أحَدٌ قطُّ، عُلِم أنَّه لم يَقَع» (٦)؛ مع أنَّ ألفاظَ الحديثِ صَريحةٌ في إنشاءِ العَقْدِ لا في تجديدِه (٧)، «وتوَهُّم فسخِ نكاحِها بإسلامِه بعيدٌ جدًّا» (٨).

فلأجلِ ما في هذين الجَوَابَين مِن ضَعفٍ: صرَّح ابن الوَزير برَدِّهما (٩)، وكان ابن كثير -مع تصحيحِه للحديثِ- يُقِرُّ بضَعْفِهما (١٠)!


(١) يريد بالإمامين: البخاريَّ ومسلم، وهو في الدفاع عن الأحاديث التي أعلَّها بعض أهل العلم في كتابيهما، والحقُّ فيها معهما، وقد ذكر هذا الكتاب العراقي، ووقف عليه بخطِّ مصنِّفه، وابن الملقِّن، وابن حجر ووقع مسموعًا له وأفاد منه، ولخَّص بعض مباحثه المقريزي -كما سيأتي- في كتابه «إمتاع الأسماع»، انظر مقدِّمة تحقيق عبد الرحمن قائد لكتاب «منتخب المنثور من الحكايات والسُّؤالات» لابن طاهر المقدسي (ص/١٦٧).
(٢) «الفصول في سيرة الرسول» لابن كثير (ص/٢٤٨)، وانظر «إمتاع الأسماع» للبلقيني (٦/ ٦٩).
(٣) انظر «شرح النووي على مسلم» (١٦/ ٦٣).
(٤) «شرح النووي على مسلم» (١٦/ ٦٣).
(٥) «نوادر ابن حزم» لابن عقيل الظَّاهري (٢/ ٨).
(٦) «جلاء الأفهام» (ص/٢٤٣)
(٧) «التنبيهات المجملة» للعلائي (ص/٧٣).
(٨) «إمتاع الأسماع» (٦/ ٧٢).
(٩) انظر «توضيح الأفكار» للصَّنعاني (١/ ١٢٢).
(١٠) «البداية والنهاية» (٦/ ١٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>