للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل قال ابنُ سَيِّد النَّاس (١): «هو جَوابٌ يتَساوَكُ هَزلًا»! (٢)

القول الثَّاني: أنَّ معنى قوله «أزوِّجُكَها»: أي أرضَى بزواجِك بها، فإنَّه كان على رَغْمٍ منِّي، وبدون اختياري، وإن كان النِّكاحُ صحيحًا، لكن هذا أجملُ وأحسنُ وأكملُ، لما فيه مِن تأليفِ القلوب، وعلى هذا تكون إجابة النَّبي صلى الله عليه وسلم له بـ «نعم»: لمجرَّد تأنيسِه، وأنَّه أخبره بعدُ بصحَّةِ العَقدِ (٣).

وهذا الوجه من الجوابِ ضعيف، ولا يخفى شِدَّةُ بُعْدِ هذا التَّأويل مِن اللَّفظ، وعدم فهمِه منه: فإنَّ قوله: «عندي أجمل العرب أزوِّجُكها»: «لا يَفهَمُ منه أَحَدٌ أنَّ زوجَتَك الَّتي هي عصمةُ نكاحِك أرضى بزواجِك بها، ولا يُطابق هذا المعنى أنْ يَقول له النَّبي صلى الله عليه وسلم: «نَعم»، فإنَّه إنَّما سَأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرًا تكون الإجابةُ إليه مِن جهتِه صلى الله عليه وسلم، فأمَّا رِضاهُ بزواجِه بها، فأَمْرٌ قائمٌ بقلبِه هو، فكيف يطلبُه مِن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؟!

ولو قيل: طَلبَ منه أن يُقِرَّه على نكاحِه إيَّاها، وسَمَّى إقرارَه نكاحَا: لكان مع فسادِه أقربَ إلى اللَّفظ! وكلُّ هذه تأويلاتٌ مُستكرَهة، في غايةِ المنافرةِ للَفظِ ولمقصودِ الكلام» (٤).

وأبعد مِن هذا الوجهِ في التَّعسُّفِ: ما ظَهرَ للزُّرقاني من كونِ المعنى له: «يُديم التَّزويج، ولا يُطلِّق كما فَعَل بغيرِها»! (٥) وحكايةُ هذا القولِ تُغني عن بيانِ فسادِه.


(١) محمَّد بن محمَّد بن سَيِّد الناس اليَعمُري، أبو الفتح: مؤرِّخ، عالم بالأدب، من حفاظ الحديث، له شعر رقيق، أصله من إشبيلية، مولده ووفاته في القاهر، من تصانيفه «عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير»، و «النَّفح الشَّذي في شرح جامع التِّرمذي» ولم يكمله، توفي (٧٣٤ هـ)، انظر «الأعلام» للزركلي (٧/ ٣٤).
(٢) «شرح الزرقاني على المواهب اللَّدنية» (٤/ ٤٠٨).
(٣) انظر «جلاء الأفهام» (ص/٢٥٠)، و «إمتاع الأسماع» (٦/ ٨٠).
(٤) «جلاء الأفهام» (ص/٢٥٠).
(٥) «شرح الزرقاني على المواهب اللَّدنية» (٤/ ٤٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>