للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثَّالث: أنَّ مسألةَ أبي سفيان للنَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يزوِّجَه أمَّ حبيبة قد وَقَعَتْ في بعضِ خَرَجاته إلى المدينة وهو كافرٌ، حين سَمِع نَعْيَ زوجِ أمِّ حبيبة بأرضِ الحَبشة، أمَّا المسألة الثَّانية والثَّالثة مِن الحديث: فوَقَعتا بعد إسلامِه، لكنَّ الرَّاوي جمعَ الكلَّ في الحديث!

يقول البيهقي عقِب استبعادِه صحَّةَ الحديث: « .. وإن كانت مسألته الأولى إيَّاه وَقَعَت في بعضِ خَرَجاتِه إلى المدينة وهو كافر، حين سَمِع نَعْيَ زوج أمِّ حبيبة بأرض الحبشة، والمسألة الثَّانية والثَّالثة وقعتا بعد إسلامِه، لا يحتمِل إن كان الحديث محفوظًا إلَّا ذلك، والله تعالى أعلم» (١).

وتَبِع البيهقيَّ على هذا الاحتمالِ المنذريُّ (٢).

وهذا الاحتمالِ منهما «أيضًا ضَعيف جدًّا؛ فإنَّ أبا سفيان إنَّما قَدِم المدينة آمِنًا بعد الهجرةِ في زمنِ الهُدنة، قُبَيل الفَتح، وكانت أمُّ حبيبة إذ ذَّاك مِن نساء النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولم يَقدم أبو سفيان قبل ذلك إلَّا مع الأحزابِ عامَ الخندق، ولولا الهُدنة والصُّلح الَّذي كان بينهم وبين النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يقدم المدينة، فمتى إذن قَدِم وزَوَّجَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَّ حبيبة؟! هذا غَلَطٌ ظاهر.

وأيضًا؛ فإنَّه لا يَصِحُّ أن يكون تزويجُه إيَّاها في حالِ كُفرِه، إذ لا وِلايةَ له عليها! ولا تَأخَّرَ ذلك إلى بعدِ إسلامِه لمِا تقدَّم.

فعلى التَّقديرين لا يَصحُّ قوله: «أزوِّجُك أمَّ حبيبة».

وأيضًا؛ فإنَّ ظاهرَ الحديث يَدُلُّ على أنَّ المَسائلَ الثَّلاثة وَقَعت منه في وقتٍ واحدٍ! وأنَّه قال: «ثلاثٌ أَعْطِنيهن .. » الحديث، ومَعلومٌ أنَّ سؤالَه تأميرَه واتِّخاذَ معاوية كاتبًا إنمَّا يُتصَوَّر بعدَ إسلامِه، فكيف يُقال: بل سَأَل بعضَ ذلك في حالِ كفرِه، وبعضَه وهو مُسلم؟! وسياق الحديث يَردُّه» (٣).


(١) «السنن الكبرى» للبيهقي (٧/ ٢٢٧).
(٢) انظر «جلاء الأفهام» (ص/٢٤٩)، و «إمتاع الأسماع» (٦/ ٧٩).
(٣) «جلاء الأفهام» (ص/٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>