للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الرَّابع: «يُحتَمَل أن يكونَ أبو سفيان قال ذلك كلَّه قبل إسلامِه بمدَّةٍ تَتَقدَّم على تاريخِ النِّكاح، كالمُشترطِ ذلك في إسلامِه، ويكون التَّقدير: ثَلاثٌ إن أسلمتُ تُعطينيهنَّ .. » (١)؛ وهذا تَوجيهُ محبِّ الدِّين الطَّبري (٢) للحديث.

وتفنيد هذا التَّأويل في قولِ ابن عبَّاسٍ راوي الحديث نفسِه إذ قال في أوَّلِه: «كان المسلمون لا يَنظُرون إلى أبي سفيان، ولا يُقاعدونه، فقال: يا نَبيَّ الله، ثلاثٌ أعطِنيهنَّ .. »؛ فيا سُبحان الله! هذا يَكون قد صَدَر منه وهو بمكَّة قبل الهجرة؟ أو بعد الهجرة وهو يجمع الأحزاب لحربِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أو وَقْتَ قدومِه المدينة وأمُّ حبيبة عند النَّبي صلى الله عليه وسلم لا عنده؟!

فما هذا التَّكلُّف البارد؟! وكيف يقول وهو كافر: «حتَّى أُقاتِلَ المشركين كما كُنت أقاتل المسلمين»؟ وكيف يُنكِر جفوةَ المسلمين له وهو جاهَدَ في قتالهِم وحربِهم وإطفاءِ نورِ الله؟! وهذه قصَّة إسلام أبي سفيان مَعروفة لا اشتراط فيها، ولا تعرُّضَ لشيءٍ من هذا» (٣).

القول الخامس: لعلَّ أبا سفيان -بحُكمِ خروجِه إلى المدينة كثيرًا- قد جاءها حين كان النَّبي صلى الله عليه وسلم آلَى مِن نِسائِه شهرًا واعتزَلهنَّ، فتَوَهَّم أبو سفيان أنَّ ذلك الإيلاء طلاق، وهذا كما توهَّمه عمر رضي الله عنه، فظنَّ وقوع الفرقة به، فقال هذا القول للنَّبي صلى الله عليه وسلم متعطِّفًا له ومتعرِّضًا، لعلَّه يراجعها، فأجابه النَّبي صلى الله عليه وسلم بـ «نعم»، على تقدير: إنْ امتَدَّ الإيلاءُ، أو وَقَع طلاقٌ، فلم يَقع شيءٌ مِن ذلك (٤).

وهذا الجوابُ أيضًا في الضَّعف مِن جِنس ما قبله: «ولا يخفى أنَّ قوله: «عندي أجمل العَرب وأحسنُه أزوِّجُك إيَّاها»: أنَّه لا يُفهَم منه ما ذُكر مِن شأنِ الإِيلاء ووُقوعِ الفرقةِ به، ولا يَصِحُّ أن يُجاب بـ نعم.


(١) نقله عنه ابن القيم في «جلاء الأفهام» (ص/٢٥١).
(٢) أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري، أبو العباس: حافظ فقيه شافعيّ، متفنن، من أهل مكة مولدا ووفاة، وكان شيخ الحرم فيها، له تصانيف، منها: «السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين»، و «الرياض النضرة في مناقب العشرة»، انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (٨/ ١٨).
(٣) «جلاء الأفهام» (ص/٢٥٢).
(٤) انظر «جلاء الأفهام» (ص/٢٥٠)، و «إمتاع الأسماع» (٦/ ٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>