للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا كان أبو سفيان حاضرًا وقتَ الإيلاء أصلًا، فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم اعتزلَ في مشرُبةٍ له، حَلَف أن لا يَدخل على نسائِه شهرًا، وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاستأذنَ عليه في الدُّخولِ مِرارًا، فأذِنَ له في الثَّالثة، فقال: أطلَّقت نساءَك؟ فقال: لا، فقال عمر: الله أكبر! واشتهَرَ عند النَّاس أنَّه لم يُطلِّق نساءَه، وأين كان أبو سفيان حينئذٍ؟!» (١).

القول السَّادس: فوجه الحديثِ فيه: أنَّ أبا سفيان إنَّما سَأل النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يزوِّجه ابنتَه الأخرى (عَزَّة) (٢) أختَ أمِّ حبيبة! ولا يَبعُد أن يخفى تحريمُ الجمعِ بين الأختين على أبي سفيان، لحداثةِ عهدِه بالإسلام، وقد خَفِي هذا على ابنتِه أمِّ حبيبة، حيث سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَتزوَّج أختَها هذه، فقال: «إنَّها لا تَحِلُّ لي» (٣).

فأراد أبو سفيان أن يزوِّجَ النَّبي صلى الله عليه وسلم ابنتَه الأخرى، لكن اشتَبَه على الرَّاوي، وذَهَب وهمُه إلى أنَّها أمُّ حبيبة، فهذه التَّسمية مِن غَلطِ بعض الرُّواة، لا مِن قولِ أبي سفيان.

وفي تحسينِ هذا الوجه، يقول ابنُ كثير: «الأحسنُ في هذا: أنَّه أرادَ أن يزوِّجه ابنتَه الأخرى عَزَّة، لمِا رَأَى في ذلك مِن الشَّرَف له، واستعانَ بأختِها أمِّ حبيبة كما في الصَّحيحين؛ وإنَّما وَهِم الرَّاوي في تسميتِه أمَّ حبيبة، وقد أفردنا لذلك جزءً مفردًا» (٤).

وهذا التَّأويلُ مِن ابن كثيرٍ -وإن كان في الظَّاهر أقَلَّ فسادًا- هو ما يراه ابن القيِّم «أكذبُها وأبطلُها! وصريحُ الحديث يَردُّه، فإنَّه قال: أمُّ حبيبة أزوِّجُكَها،


(١) «جلاء الأفهام» (ص/٢٥١).
(٢) وفي «زاد المعاد» (١/ ١٠٨): (رَملة)، ولعله سبق قلم أو ذهول مِن ابن القيِّم، فلا أحد تأوَّله بأختِها رملة.
(٣) أخرجه البخاري في (ك: النكاح، باب: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَاّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ}، رقم: ٥١٠٦)، ومسلم في (ك الرضاع، باب تحريم الربيبة، وأخت المرأة، رقم: ١٤٤٩).
(٤) «البداية والنهاية» (٦/ ١٤٩)، وانظر «التنبيهات المجملة» للعلائي (ص/٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>