للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا ضَير بعدُ على المَقدسيِّ وابنِ الصَّلاح إذ شَنَّعا على ابنِ حزم حكمَه ذاك، فإنَّ مُقتضاه مخالفةَ النُّقادِ على سلامةِ «الصَّحيحين» مِن الوَضعِ، وإجماعِ الأئمَّةِ على براءةِ عكرمةَ مِنه؛ وإنمَّا الَّذي أردُّه عليهما: مُبالغتُهما في التَّشنيع على ابن حزمٍ استنكارَه للمتنِ، ومحاولتُهما ردَّ ذلك بما لا تَتَحمَّله عقولُ العلماء.

نعم؛ عكرمة بن عمَّار وإن كان غيرَ مُتَّهَم في نفسِه، فليس بذاك المُتقنِ! على خلاف ما يُوهِمه اقتصارُ ابن طاهر على كلامِ المُوثِّقين له، فإنَّه تُكلُّم فيه من أئمَّة كبارٍ له وضعَّفوه! كأحمد (١) ويحيى القطَّان (٢) وغيرهما (٣)، ووَصَمَه بعضهم بأنَّ في حديثِه نُكْرَة (٤).

فلِأجل ما قيل فيه تَرَكه البخاريُّ فلم يحتجَّ به في كتابه (٥)، وقد نَعَته ابن حجر بأنَّه: «صَدوق يغلط» (٦)، وقال المُعَلِّمي: «مَوصوفٌ بأنَّه يغلَط ويَهِم» (٧).

فمثلُه والحالُ هذه، لا يستَحقُّ ذاك التَّكلُّف في تأويلِ حديثِه للإبقاءِ عليه (٨)؛ فلا أسْلمَ مِن رَدِّه، والحكمِ بتَوْهيمِه فيه (٩).


(١) «ميزان الاعتدال» (٣/ ٩١).
(٢) «تاريخ بغداد» (١٢/ ٢٥٥)
(٣) انظر باقي كلام مَن ضعَّفه في «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٧/ ١١)، و «تاريخ بغداد» (١٢/ ٢٥٩)، و «تهذيب الكمال» (٢٠/ ٢٦١).
(٤) وهو قول ابن خراش فيه، كما «تاريخ بغداد» (١٢/ ٢٦١).
(٥) كما قرَّره البيهقيُّ في «السُّنن الكبرى» (٧/ ٢٢٦ - ٢٢٧)، وابن الجوزي في «كشف المشكل» (٢/ ٤٦٣).
(٦) «تقريب التهذيب» (ص/٣٩٦، رقم: ٤٦٧٢).
(٧) «الأنوار الكاشفة» (ص/٢٣٠).
(٨) تعليق الألباني على «مختصر صحيح مسلم» للمنذري (٢/ ٤٥٧).
(٩) احتجَّ د. خليل مُلَّا خاطر في «مكانة الصَّحيحين» (ص/٣٩٥) لدفعِ تهمة التَّفرد عن عكرمة وتقوية حديثِه هذا، برواية فيها متابعة إسماعيل بن مرسال لعكرمة عن أبي زُمَيل، وهي في «المعجم الكبير» للطَّبراني (١٢/ ١٩٩، رقم: ١٢٨٨٦).
لكن هذه المتابعة لا تُفيد حديث عكرمة قوَّة، هذا إن لم تزِده ضعفًا! فإنَّ في سَندِها (عمرو بن خليف)، وهو مُتَّهم بوضع الحديث! كما تراه في «الكامل» (٥/ ١٥٤)، و «الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (٢/ ٢٢٥).

وسائر الإسناد تحته -ما خلا شيخ الطَّبرانيِّ- مَجاهيلُ، كما قال ابن القيِّم: «لا يُعرَفون بنقل العلم، ولا هم ممَّن يُحتجُّ بهم، فضلًا عن أنْ تُقدَّم روايتُهم على النَّقل المستفيض المعلوم عند خاصَّة أهل العلم وعامَّتهم، فهذه المتابعة إنْ لم تزده وَهْنًا، لم تزده قوَّة»، انظر «جلاء الأفهام» (ص/٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>