للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الممدود فيه، ثمَّ الخروج مِن قراره، ثمَّ الرَّضاع، ثمَّ الفِطام، ثمَّ المراتب الأُخَر على حسبِ ما ذكرنا، إلى حلولِ المَنيَّة به.

هذا وصفُ المتحرِّك النِّامي بذاتِه مِن خلقِه.

وخَلَق الله جلَّ وعلا آدمَ على صورتِه الَّتي خَلَقه عليها وطولُه ستُّون ذراعًا مِن غير أن يكون تَقدَّمه اجتماعُ الذَّكرِ والأنثى، أو زوالُ الماء، أو قرارُه، أو تغيير الماء علقةً أو مضغةً، أو تجسيمه بعده، فأبان الله بهذا فضلَه على سائرِ مَن ذَكَرنا مِن خلقِه، بأنَّه لم يكُن نطفةً فعلقةً، ولا علقةً فمضغةً، ولا مضغةً فرضيعًا، ولا رضيعًا ففطيمًا، ولا فطيمًا فشابًّا، كما كانت هذه حالةُ غيره؛ ضدَّ قولِ مَن زَعَم أنَّ أصحابَ الحديثِ حَشَويَّةٌ! يروُون ما لا يعقلون، ويحتجُّون بما لا يدرونَ!» (١).

وتقريرًا لهذا التَّوجيه للحديث، يقول الخطَّابي: «إنَّ ذريَّة آدمَ إنمَّا خُلِقوا أطوارًا، كانوا في مَبدأِ الخلقةِ نُطفةً، ثمَّ علقةً، ثمَّ مضغةً، ثمَّ صاروا صُوَرًا أجِنَّة، إلى أن تَتِمَّ مدَّة الحملِ، فيُولَدون أطفالًا، ويَنشَئون صِغارًا إلى أن يكبروا، فيتمُّ طول أجسامهم.

يقول صلى الله عليه وسلم: «إنَّ آدمَ لم يكُن خلقُه على هذه الصِّفة، لكنَّه أوَّلَ ما تناولته الخِلقة، وُجِد خلقًا تامًّا، طوله سِتُّون ذراعًا» (٢).

وهذا ما رجَّحه الطَّيبيُّ أيضًا، وزاد عليه فوائدَ بأن قال: «تأويلُ أبي سليمانَ -يعني الخطَّابيَّ- للحديثِ في هذا المَقام سَديدٌ، يَجب المَصير إليه؛ لأنَّ قولَه: «طولُه» بيانٌ لقوله: «على صورتِه»؛ كأنَّه قيل: خُلِق آدم على ما عُرِف مِن صورتِه الحسنةِ، وشكلِه وهيئتِه مِن الجمالِ والكمالِ وطولِ القامة، كما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤]، وإنَّما خُصَّ الطُّولُ منها، لأنَّه لم يكُن مُتَعارفًا بين النَّاس .. » (٣).


(١) «صحيح ابن حبان» (١٤/ ٣٣)، وهو قول أبي ثور كما في «طبقات الحنابلة» (١/ ٢١٢)، وابن خزيمة في «كتاب التوحيد» (١/ ٩٣)، وابن منده في «التوحيد» (١/ ٢٢٢).
(٢) «أعلام الحديث» للخطابي (٣/ ٢٢٢٨).
(٣) «الكاشف عن حقائق السُّنن» للطيبي (١٠/ ٣٠٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>