للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول أبو يعلى الفرَّاء (ت ٤٥٨ هـ): «ليس في حملِه على ظاهرِه ما يُحيل صفاتَه، ولا يُخرجها عمَّا تستحِقُّه، لأنَّنا نُطلِق تسميةَ الصُّورةِ عليه لا كالصُّوَر، كما أطلقنا تسميةَ ذاتٍ ونَفسٍ لا كالذَّواتِ والنُّفوس.

وممَّا يُبيِّن صِحَّة هذا: أنَّ الصُّورةَ ليست فِي حقيقةِ اللُّغة عبارةً عن التَّخاطيط، وإنَّما هي عبارة عن (حقيقةِ الشَّيء)، ولهذا تقُول: عرِّفني صورةَ هذا الأمر، ويُطلَق القول في صورةِ آدم على صورتِه سبحانه، لا على طريقِ التَّشبيه فِي الجسم والنَّوعِ والشَّكلِ والطُّول، لأنَّ ذلك مستحيلٌ في صفاتِه» (١).

ويزيد ابن القيِّم توضيحَ انتفاءِ التَّمثيلِ عن الحديثِ على هذا التَّوجيه الثَّاني قائلًا: «قولُه: ( .. على صورة الرَّحمن): لم يُرِد به تشبيهَ الرَّب وتمثيلَه بالمَخلوق، وإنَّما أرادَ به تحقيقَ الوجهَ، وإثباتَ السَّمعِ والبَصر والكلامِ صِفةً ومَحلًّا» (٢).

وبصرفِ النَّظر عن أرجحيَّة أحدِ هذين القَولين السُّنِّيَين السَّابقين للحديث، فلقد بانَ -بحمد الله- أنَّ الحديثَ على تَفسِيرَيْه سَالمٌ مِن غَوائل التَّشبيه، مُنَزَّه عن آفةِ التَّجسيمِ، فإنَّ نسبةَ الصُّورة إلى الله تعالى أتى عليها الذِّكر في عِدَّة أحاديث في الصِّحاح وغيرها (٣)، ونسبةُ ذلك إلىه سبحانه على ما يَليق بجمالِ وجهِه، وجلالِ سلطانِه، لا يَلزمُ منه تشبيهٌ بصُوَر خلقِه؛ تعالى ربُّنا عن ذلك عُلوًّا كبيرًا.


(١) «إبطال التأويلات» (ص/٨١).
(٢) «مختصر الصواعق المرسلة» (ص/٥٣٩).
(٣) تراها مجموعةً في كتاب «صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسُّنة» لعلوي السَّقاف (ص/٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>