للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلُّ ما في الأمرِ: أنَّ الإِلْفَ وَقع ببعض الصِّفات الذَّاتيَّة لمَجِيئِها في القرآن، ووَقَعَت الوَحشةُ مِن الصُّورة لأنَّها لم تَأتِ في القرآن! ونحن نُؤمن بالجميع، ولا نقول في شيءٍ منه بكيفيَّةٍ ولا حَدٍّ (١).

أمَّا دعوى المعارضة الثَّانية من كونِ ما ذُكر من طولِ آدم ونقصانِ ذرِّيتَه في ذلك تدريجيًّا مُخالفٌ للمُشاهدِ مِن آثار ثمود ونحوها مِن الحفريَّات، الَّتي تدلُّ أحجامُ عماراتهم على نفسِ أطوالِنا، ومُؤدَّى ذلك أنَّ متوسِّط أطوالنا واحد لم يتغيَّر منذ آدم؛ فيُقال في جوابه:

قد مرَّ استشهادُ (الكرديِّ) على شُبهتِه هذه بنَصٍّ لابن حجر يَستشكل فيه متن الحديث، يستقوي بهذا النَّص على أهلِ السُّنة ويُحاجُّهم! وكذا فعل (عدنان إبراهيم) في حضِّه أهلَ السُّنة على اقتفاءِ أَثَرِ ابنِ حَجَرٍ في (عَقليَّتِه العلميَّة) (٢) حين رآه تَكَلَّم في مَتن هذا الحديث واستشكله!

وكان هاذان أحقَّ باقتفاءِ هذه النَّصيحةِ قبل غيرهما! إذ غاية ما بلغ به كلام ابن حَجر أن استشكل المتنِ، فهو -إذن- مُقِرٌّ بصِحَّته! والصِّحة والاستشكال قد يَجتمِعان في نَظَرِ العَالِمِ ولا ضَيْر، وكنَّا قرَّرنا في تمهيد هذه الرِّسالة بـ: أنَّ الاستشكالَ لا يَستلزم البُطلان (٣)، فلا ينبغي للحصيف أن يجَعَلَ العاقِلُ مِن عَجْزِه عن حَلِّهِ حُجَّةً لنَسْفِ النَّصِ مُطلَقًا! كما فَعلَ هاذان النَّاصِحان لأهلِ الأثَر.

لكن عجبي مِن ابنِ خَلْدونٍ (ت ٨٠٨ هـ)! كيف جَرَى على خلافِ هذا المَهْيعِ السُّنيِّ القَويمِ في مُعاملةِ الأخبارِ، فأنكَرَ ما في هذا الحديث من طُولِ الأوَّلينَ بدعوى ما رآه من حالِ عماراتِ ثَمود؛ حتَّى جَعَل الحديثَ فيه مِن أساطير القُصَّاص!


(١) انظر «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص/٣٢٢).
(٢) هذا ما نَعتَ به عدنان إبراهيم تعامل ابن حجرٍ مع الحديث! وذلك عند كلامه على حديث طول آدم عليه السلام ضمن خطبته المُصوَّرة المشهورة «مُشكلتي مع صحيح البخاري»، ابتداءً من الدَّقيقة ٥٨ إلى ٦٧، على الموقع العالميِّ (اليوتيوب).
(٣) «الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>