فقد كان بهذا النَّعت للحديث أسبَقَ مِن ابنِ حَجَرٍ إلى الإشكال على متن الخبر بآثارِ ثَمودٍ؛ غير أنَّ الفرق المنهجيَّ الجوهريَّ بينهما: أنَّ ابن خلدون سارَعَ إلى إنكارِ المتنِ، بينما تَوَرَّع ابن حجرٍ عن هذه المَزَلَّة (١)!
وعند تأمُّلِ ما أشكلَ به ابن حَجَرٍ على متنِ الحديث، وإليه استَنَدَ مَن أنكرَه مِن المُعاصرين: نجد أنَّه مُبتَنًى على بِضعِ مُقدِّماتٍ، أَوْحَى مَجمُوعُها إلى ابن حجرٍ بالإشكالِ في متن الخَبر، هذه المُقدِّمات مُجمَلةٌ في ما يلي:
المقدِّمة الأولى: أنَّ قومَ ثمودٍ هم أقربُ زمانًا إلى آدم عليه السلام مِنَّا إليه.
المقدِّمة الثَّانية: أنَّ ما نعهده مِن أَبْنِةٍ (الحِجْر) بأبوابِها الصَّغِرَةِ شمالَ غربِ الجزيرة العَربيَّة عائدةٌ إلى ثمود.
ففي هاتين المُقدِّمتين ما يُفيد ابنَ حجرٍ نتيجةً واحدةً: وهي استقرارُ طولِ بني آدمَ، وعدَم نُقصانِه منذ عهدِ ثَمودِ إلى زمنِه، وهي بهذا مخالفةٌ لما أفاده الحديث: مِن تَناقُصِ طُولِ بَنِيه عبر الزَّمَن عن السِّتين ذراعًا، وبشكلٍ مُطَّردٍ.
فمنشأ الإشكال عند ابن حجرٍ من امتناعِ الجَمْع بين هذه المَعلوماتِ جميعِها! إذْ كان مِن المَقبولِ أن تَقَع أطوالُ ثَمود في مَنزلةٍ بين طول آدم وأطوالِنا؛ أمَا وأبنِيَتُهم شاهدةٌ على أنَّ طولَهم في مِثلِ طولِنا، ففي ذلك دليل على أنَّ إحدى تلك المَعلومات السَّابقةِ خاطئة!
ولقد كان حقًّا على النَّاظرِ حينَهَا أن يَسْتَشكلَ مِن بين تلك المُقدِّمات السَّابقة أضعفَها مِن جِهة الثُّبوت، هذا البَديهيُّ في عملِ النَّاقد؛ لكن قد وَقَع نقد ابن حجرٍ على النَّقل الحَديثيِّ، ولم نَرَه يُشَكِّك في المَعلومةِ النَّقليَّة التَّاريخيَّة الأخرى بالمَرَّة! والَّتي هي عندي أساس ما بَنى عليه استشكالَه أصلًا، أعني بها: ما تَعَارف عليه النَّاسُ مِن نسبةِ آثارِ دِيارٍ مَنحوتةٍ في مكانٍ مَخصوصٍ مِن جزيرة العرب إلى ثمود!