للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فآنَ الشُّروع في نَقدِ كلِّ مُقدِّمة ومعلومةٍ بَنى ابن حجرٍ عليها استشكاله على حِدةٍ، فأقول مستعينًا بالله:

قولُ ابن حَجرٍ في المقدِّمة الأولى: بأنَّ عهدَ ثمود «قديم، وأنَّ الزَّمان الَّذي بينهم وبين آدم، دون الزَّمان الَّذي بينهم وبين أوَّل هذه الأُمَّة» (١):

فقد ذكرَ هو برهانَ ذلك في مَوضعٍ آخر مِن كتابِه (٢)، وهو قولُ صالحٍ عليه السلام لثمود: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ} [الأعراف: ٧٤]، ومَعلوم أنَّ قومَ عادٍ أوَّل الأقوامِ الَّتي خُلِفَّت بعد الطُّوفان، كما في قولِ نبيِّهم هودٍ عليه السلام لهم: {وَاذكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: ٦٩]، فهذا الاستدلال منه صحيح، فلا إشكال في هذه المقدِّمة.

وأمَّا مقدِّمته الثَّانية: من دعواه أنَّ ما هو مُشاهَد مِن أبنِية ثَمودٍ لم تكن مُفرِطةَ الطُّول، فيُقال في نقضها:

إنَّ هذه المَعلومة لا تقوم ابتداءً إلَّا على فَرْضِ صِحَّةِ ما تَنسِبه العامَّةُ إلى ثَمود مِن دِيارٍ مَنحوتةٍ في شمال الجزيرة، والَّتي تُسمِّيه الحِجرَ أو ديار صالحٍ؛ والحَقُّ أنْ لا دَليل يُثبِتُ جزمًا كون ما حَوَته تلك المنطقة مِن بيوتٍ مَنحوتة في تلك الصُّخور هي نفسُها مَساكن ثمود!

فقد بَرَز مِن الأثَريِّين والمُؤرِّخِين مَن يُرجِع بناءَ هذه الَمدائن بشكلِها الحاليِّ إلى أقوامٍ آخرين، منهم الأنباط، حيث اتَّخذوا (الحِجْرَ) عاصمتَهم الثَّانيةَ بعد عاصمتِهم الأولى (الَبتْراء)، فلا يُستَبعَد بعدُ إحداثَ الأنباطِ في عمارتِها الصَّخريَّة مِن التَّغيِير كما صَنعوه في عمارةِ (البَتراء)، ليشمَلَ ذلك فَتحاتِ الأبواب، بل واجهاتِ المَباني ذاتِها (٣).


(١) «فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٣٦٧).
(٢) «فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٣٨١).
(٣) انظر مقالًا بعنوان: «ناقة صالح حائرة» لـ د. محمد علي الحربي، بـ «جريدة عكاظ» السعودية، العدد (٣٦٥٩)، ٢٤/ ٦/٢٠١١ م، ومقالًا بعنوان: «طول آدم والإنسان، ومنحنى نقصانه مع الزمان» لعز الدين كزابر، بمُدوَّنة blogger الإلكترونية، بتاريخ الأربعاء ١٩ ديسمبر ٢٠١٢ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>