للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبلغ أشدَّه، فإنه يكون ما يخلُف عليه في مُدَّتِه أكبر ما يتخلَّل منه دائمًا إلى القوَّة والزِّيادة، فإذا حسبتَ هذا على مقتضى ما يستحقُّ العُمْر الَّذي هو الآن مِن السِّتين إلى السبعين، أو العُمْر الَّذي هو ستمائة أو سبعمائة وألف: كان قريبًا ممَّا ذُكِر أنَّ طولَه كان سِتِّين ذراعًا» (١)!

ثمَّ إنَّ مِن الآياتِ القرآنيَّة ما يشهد على فرطِ طول الأوَّلين:

منها ما وَصَفَ الله تعالى به أجسامَ عادٍ عند إهلاكِهم بأنَّهم {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} [القمر: ٢٠]، و {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: ٧]، فهذا تَشبيهٌ لأجسامِهم وهي مُلقاةٌ على الأرضِ بأعجازِ الَّنخيلِ المُنقعرٍ، أي: المُقتلعٍ مِن أصولِه مَطروحًا على الأرضِ (٢).

وأعجازُ النَّخل: هي أصولُها وجذوعُها الَّتي قُطِعَت فُروعها (٣).

ومَفاد الآيتين: أنَّك ترى أجسامَ قَومِ عادٍ في طولِها عند إهلاكِها كأنَّها جذوع نخيلٍ مُلْقاةً على الأرضِ، وهذا التَّشبيهُ لا يَستقيم مع أجسادِنا الصَّغيرة المَعهودة اليوم، فالنَّخلُ التَّام النُّمو في الصَّحاري شبهِ الاستوائيَّةِ، يصل طولُه الأقصى إلى ٨٠ قدمًا، أي ٢٤ مترًا، بل يزيد على ذلك (٤).

وهذه الأطْوَال تُقارب جدًّا طولَ آدم عليه السلام البالغِ ٢٨ مترًا! (٥)

ثمَّ تأمَّلْ قولَ ابن عبَّاس رضي الله عنه في تفسيره لآيةِ: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ} [الأحقاف: ٢٦] قال: «عَادٌ مُكِّنوا في الأرض أفضلَ ممَّا مُكِّنت فيه هذه الأمَّة، وكانوا أطولَ أعمارًا» (٦)، لترَى تعزيزَ ما قرَّرناه آنفًا مِن تلك العلاقة الطرديَّةٍ التناسبيَّة بين طُولِ عمر الإنسانِ، وضخامةِ جسَدِه.


(١) «الإفصاح عن معاني الصحاح» (٧/ ٢١٥ - ٢١٦).
(٢) انظر «جامع البيان» لابن جرير (١٠/ ٢٧٨) (٢٢/ ١٣٨)، و «معاني القرآن» للزجاج (٥/ ٨٩)
(٣) انظر «معالم التنزيل» للبغوي (٧/ ٤٣٠).
(٤) انظر المقال المُشار إليه قبلُ: «طول آدم والإنسان، ومنحنى نقصانه مع الزمان» لعز الدِّين كزابر.
(٥) وقد يكون في هذا شاهدٌ على تَناقصِ طولِ البَشَر بين آدم وعادٍ، إذْ المَعلوم أنَّ عادًا أوَّلُ الأقوامِ قد خلَفت قومَ نوحٍ بعد الطُّوفان، كما تقدَّم تقريره.
(٦) انظر «الدر المنثور» للسيوطي (٧/ ٤٥١) بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>