للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا طائلَ -إذن- مِن تهويشِ المُعترِض بهذا الوَجه مِن الاختلافِ على الحديث.

وأمَّا قولُه في مُعارضتِه الثَّانية: من استحالةِ ما فَعَلَه سليمان عليه السلام على الطَّبيعةِ البَشريَّة:

فهذا صحيحٌ من جِهةِ العادة كما قال، فإنَّ إنزالَ الرَّجُلِ في مثلِ ذلكِ العَددِ الكثيرِ مِن النِّساء تَتَابعًا يعجزُ عنه البَشر في أحوالهِم العاديَّة؛ غير أنَّ ما رتَّبَه على هذه المقدِّمة من شمولِها سليمانَ عليه السلام قياسًا على سائر النَّاس نتيجةٌ خاطئة! فإنَّ سليمان عليه السلام يفرُق عنهم في أنَّه نَبيٌّ مُؤيَّدٌ بخَرْقِ العاداتِ، وإرسالِ الآياتِ الباهراتِ؛ وتلك القُوَّة فيه مِن جملةِ هذه الخَوارق.

فأيُّ نَكارةٍ مِمَّن أمكنَه الله تعالى مِن رِقابِ الجِنِّ والإنسِ، أن تكونَ له هذه الهِبَة الجِسمانيَّة وإن لم يَأْلف سائرُ النَّاسِ مثلَها في أنفسِهم؟!

ثمَّ إنَّ الحديث ذَكَر صدورَ هذا الفعلِ مِنه عليه السلام لغَرَضٍ مُعيَّنٍ، فليسَ عادةً له، ولا أرى لزوم قدرته عليه السلام على فعل ذلك كلَّ يومٍ أو ترداده كثيرًا، ولا في الحديث ما يُشير إلى ذلك.

وأمَّا دعوى المُعترض عدم كفايةِ اللَّيلةِ الواحدةِ لإيقاعِ فعلِ سليمان عليه السلام بذلك العَدد كلِّه؛ فيُقال في جوابها:

إنَّ تَمديدَ الزَّمَنِ مُنضَوٍ في ما قرَّرناه آنفًا مِن اختصاصِ الأنبياء بخَرْقِ العادةِ، فهذا الَّذي تيسَّر لسليمان عليه السلام هو مِن جملةِ البَركة الَّتي يُؤتاها الأنبياء في أوقاتِهم؛ كما قد أوتِيَه من قبله أبوه داود عليه السلام مِن بَركةِ الوَقتِ، ما كان يُيَسَّر له فيه خَتمَ زَبورِه تِلاوةً قبل أن تُسرَجَ دوابُّه (١)!


(١) أخرجه البخاري في (ك: أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً}، رقم: ٣٤١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>