للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِن ربِّه تعالى إلى أمنعِ قوَّةٍ وأشدِّ ركن، ولا جناح على لوط عليه السلام في طَلَب قوَّةٍ من النَّاس، فقد قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: ٢٥١].

فهذا الَّذي طَلَبه لوط عليه السلام؛ وقد طلَب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار والمهاجرين مَنَعةً حتَّى يبلِّغ كلامَ ربِّه، فكيف ينكر على لوطٍ أمرًا هو فَعَله عليه السلام؟!

تالله ما أنكرَ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّما أخبرَ أنَّ لوطًا كان يأوي إلى ركنٍ شديدٍ، يعني: مِن نصرِ الله له بالملائكة، ولم يكن لوطٌ علِم بذلك، ومَن اعتقدَ أنَّ لوطًا كان يعتقد أنَّه ليس له مِن الله ركنٌ شديد فقد كفَر، إذ نسَب إلى نبيٍّ من الأنبياء هذا الكفر» (١).

فتبيَّن أنَّ لوطًا عليه السلام لم يترُك التَّوكُّل على الله، وإنَّما تمنَّى بعدُ سببًا مِن الأسباب المشروعة، مع ما يجوز في جَهرِه بقولِه ذلك مِن إبداءِ العُذرِ لأَضيافِه (٢)؛ فلمَّا كان ظاهر الكلامِ مِن ذكِره للسَّبب وحدِه قد يتَخايلُ منه السَّامع نسيانَه الالتجاءَ إلى الله تعالى، أرادَ النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع هذا التَّخايل بإثباتِ إيواءِ لوطٍ إلى هذا الرُّكن الحقِّ في توكُّله.

ومما يدلُّ على هذا المعنى: روايةٌ للحديث أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول فيها النَّبي صلى الله عليه وسلم: «قال لوط: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، قال: قد كان يَأْوي إلى رُكنٍ شديدٍ، ولكنَّه عَنَى عَشيرَتَه، فما بَعَثَ الله عز وجل بعدَه نَبِيًّا إلَّا بَعَثه في ذروةِ قومِه» (٣).

يقول ابنُ بطَّال: «لا يُخرِج هذا لوطًا عليه السلام مِن صفاتِ المتوكِّلين على الله، الواثقين بتأييده ونصرِه، لكنَّ لوطًا عليه السلام أثارَ منه الغضبُ في ذاتِ الله ما يثير مِن


(١) «الفِصل في المِلل والأهواء والنِّحل» (٤/ ٧).
(٢) انظر «شرح النووي على مسلم» (٢/ ١٨٥).
(٣) أخرجه أحمد في «المسند» (١٦/ ٥٢٤، رقم: ١٠٩٠٢) بإسناد حسن من أجل محمَّد بن عمرو بن علقمة اللَّيثي، وكذا فيه أبو عمر الضَّرير حَسن الحديث، روى له أبو داود، ومتابعه هنا أميَّة بن خالد، ثقة مِن رجال مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>