للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البَشر، فكان ظاهرُ قولِ لوطٍ عليه السلام كأنَّه خارجٌ عن التَّوكل، وإن كان مقصدُه مقصدَ المتوكِّلين، فنبَّه النَّبي صلى الله عليه وسلم على ظاهرِ قولِ لوطٍ تنبيهه على ظاهرِ قولِ إبراهيم عليه السلام، أن كان مقصده غير الشَّك، لأنَّهم كانوا صفوةَ الله المخصوصين بغاية الكرامة» (١).

ثمَّ عبَّر الأُبِيُّ عن هذا المعنى بعبارةٍ أحسنَ، وزاد عليها بأن قال: «السِّياق إنَّما يدلُّ على أنَّ المقصود إظهار كمالِ هؤلاء السَّادة، ورزانة عقولهم؛ فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: لقد كان يأوي إلى رُكنٍ شديد: أنَّ لوطًا عليه السلام كان مطمئنَّ القلبِ بالاستنادِ إلى الله تعالى، غير ملتفتٍ عنه أصلًا، وإنَّما قال ما قال بلسانِه إظهارًا للعذر عند أضيافِه.

وقد وكَّد النَّبي صلى الله عليه وسلم ثبوتَ لجْأِ لوطٍ إلى الله تعالى باللَّام المُؤذنة بالقَسم، وبـ (قد) المؤذنة بالتَّحقيق، وعبَّر بالمضارع وهو (يأوي): للتَّنبيه على استقرار ذلك منه، وعدم مفارقته إيَّاه.

فالكلام مَسوقٌ لدفع توهُّم إيواء لوطٍ عليه السلام لغير الله تعالى، كما أنَّ قوله قبله: نحن أحقُّ بالشَّك من إبراهيم: مَسوقٌ لتنزيه ساحة إبراهيم عليه السلام من الشُّكوك، وأنَّ ما صدر منه من سؤاله تعالى فالمقصود به شيءٌ آخر» ا. هـ (٢)

فأمَّا دعاؤه صلى الله عليه وسلم للوطٍ عليه السلام بالرَّحمة:

فلا يلزم من الدُّعاءِ بالرَّحمةِ وقوع المُترحَّم عليه في مَزلَّة، لأنَّ الدُّعاء بذلك يتأتَّى على سبيلِ التَّمدُّح أيضًا، وقد جَرَى مثله في كلامِ النَّبي صلى الله عليه وسلم حين اتُّهِم بقسمةٍ للمغنمِ ضِيزَى، حيث قال: «يرحمُ الله موسى، قد أُوذي بأكثر مِن هذا فصَبر» (٣).


(١) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٩/ ٥٢٦).
(٢) «إكمال الإكمال» للأُبِّي (١/ ٤٣٧).
(٣) أخرجه البخاري في (ك: فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، رقم: ٣١٥٠)، ومسلم في (ك: الزكاة، باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه، رقم: ١٠٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>