للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«التَّمرات»، فالخلاف عن راويها أبي طوالة قَويٌّ، إذ في الرُّواة عنه مَن يذكر لفظ «العَجوة» بدل «التَّمرات»، وهنا يُقَدَّم المُتَّفَق عليه على المختلفِ فيه (١).

ثانيًا: لتخصيصِ «العَجوة» شواهد في أحاديث أخرى، مِنها:

ما جاء عن عائشة رضي الله عنه مَرفوعًا: «إنَّ في عَجوةِ العاليةِ شفاءً -أو: إنَّها ترياق- أوَّلَ البُكرة» (٢).

وعن جابر رضي الله عنه مَرفوعًا: «العَجوة مِن الجنَّة، وهي شفاء مِن السَّم» (٣).

وهذا القول بتَخصيصِ ما في الحديث بعَجوة المدينةِ أو (العالِيَة) (٤) مَذهبُ عامَّة أهل العلمِ، مع اختلافِهم في مَزِيَّتها الَّتي لأجلها اختُصَّت بذاك التَّأثير في السُّموم والسِّحر دون سائرِ التَّمور (٥).

حتَّى الَّذين صحَّحوا رواية أبي طوالة في «التَّمرات»، منهم مَن جعله مُقيَّدًا بروايةِ العَجوة -كعامَّة شُرَّاح الحديث-، ومِنهم مَن لم يُقيِّدها بذلك، فجَعَل حكم العَجوة يشمل التَّمر عمومًا (٦)، بأن يكون ذكر العَجوة مِن باب التَّنصيص على بعض أفراد العامِّ لمزيد خصوصيَّة أو اهتمام، فلا يقتضي التَّخصيص.

وعلى كلٍّ؛ سواء قلنا بهذا أو ذاك، فإنَّ المُتَّفَق عليه مِن كِلا الرِّوايتين أنَّ نوعَ التَّمر في الحديث: ما كان نخلُه نابتًا بين لَابَتي المدينة، فإنَّ «تخصيصَ تمرِ المدينة بذلك واضحٌ مِن ألفاظِ المتن» (٧).


(١) ولعلَّها هذا ما دعا البخاريَّ للاقتصار على إخراج رواية «العجوةِ» عن هاشم في «صَحيحِه»، دون رواية أبي طوالة.
(٢) أخرجه مسلم في (ك: الأشربة، باب: فضل تمر المدينة، رقم: ٢٠٤٨).
(٣) أخرجه النسائي في الكبرى (ك: الوليمة، باب: عجوة العالية، رقم: ٦٦٨٢).
(٤) العالية: ما كان من الحوائط والقرى والعمارات من جهة المدينة العليا مما يلى نجد، والسافلة من الجهة الأخرى مما يلي تهامة، انظر «شرح النووي على مسلم» (١٤/ ٣).
(٥) انظر أقوالهم في «فتح الباري» لابن حجر (١٠/ ٢٣٩).
(٦) كما تراه ـ مثلًا ـ في تبويب أبي عوانة في «مستخرجه على مسلم» (٥/ ١٨٩) قال: «باب: بيان فضل التُّمور الَّتي تكون بين لَابَتي المدينة على غيرها، وأن مَن تصبَّح منها بسبع تمراتٍ لم يضرَّه سمٌّ».
(٧) نقله ابن حجر عن بعض شُرَّاح «مشارق الأنوار» في «الفتح» (١٠/ ٢٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>