أسلوب لغويٌّ سائر، كأن تقول مَثلًا مُشيرًا إلى طفلٍ أمامك: إذا مَرَّ بهذا الطِّفل ستُّون سنةً، فقد قرُبَت قِيامتُه، وليسَ معنى هذا أنَّه يَبقى طفلًا طيلة هذه السِّتين إلى أن يُتِمَّها، أو أنَّه لا ينتقل خلالها إلى طور الشَّبيبة فالكهولة! وإنَّما طُوي ذكر هذه المراحل في الكلام طَيًّا للعلمِ بها، كما طُوِيت في ذلك الحديث مراحل التَّكوين طيًّا، وإنَّما اقتُصِر على ذكر طَورِ النُّطفة فيه باعتبارِها أصلَ الجنين ومُبتَدَأه.
وأمَّا في ما يخصُّ التَّشكيك في ضبطِ ألفاظ حديث حذيفة كما ادَّعاه ابن تيميَّة، فجوابه:
أنَّ التَّردُّد في عددِ الأيَّام بين (أربعين) أو (خمسٍ وأربعين) ليس إلَّا في روايةِ عمرو بن دينار عن أبي الطُّفيل، ولا يَضرُّه إذا كان أصل الحديث لا يُشكُّ في صحَّتِه، وحديث ابن مسعود أشدُّ في اختلافِ بعض ألفاظه، كما سيأتي تفصيله.
والَّذي اضطرَّ هؤلاءِ الأئمَّة إلى تكلُّف تأويلِ حديث حذيفة بن أسيد: اعتقادُهم أنَّ دلالةَ حديث ابن مسعودٍ على تخصيصِ كلِّ طَورٍ مِن الأطوار الثَّلاثةِ بأربعين يومًا! اعتمادًا على أنَّ حرف العطف (ثمَّ) في قوله صلى الله عليه وسلم: « .. (ثمَّ) يكون علقةً مثل ذلك، (ثمَّ) يكون علقةً .. » يدلُّ على التَّراخي في التَّرتيب الزَّمَني مستلزمٌ للمُغايرةِ؛ فإذا كانت لمرحلةِ جمعِ الخلقِ الأولى أربعون يومًا، فإنَّ مَرحلتي العَلقة والمُضغة تأتيان بعدها مُستقلَّتين عنها، فليستا ضِمنها، لأنَّهما مَعطوفتان عليها بـ (ثمَّ)!
والجواب عن هذا أن يُقال:
إنَّ جملة «ثمَّ يُبعَث إليه المَلَك .. » هي المَعطوفة على قولِه: «يُجمع في بطنِ أمِّه»، ومُتعلِّقةٌ به، وليست مُتعلِّقةً بما قبله أي قوله:«ثمَّ يكون مضغةً مثل ذلك .. »!
فعلى ذلك يكون قوله:«ثمَّ يكون علقةً مثل ذلك، ثمَّ يكون مضغةً مثل ذلك» كالجملةِ المعترضِة بين المعطوفِ والمعطوفِ عليه، وهي مِن تمامِ الكلامِ