للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنَّ فِطرًا نفسَه قد رواه عنه الحسين بن محمَّد المرُّوذي -وهو ثقةٌ- باللَّفظ الصَّحيح الموافقِ لِما في «الصَّحيحين»، على النَّحو التَّالي: «يُجمع خَلقُ أحدِكم في بطن أمِّه أربعينَ ليلة، ثمَّ يكون علقَةً مثل ذلك، ثمَّ يكون مضغةً مثل ذلك .. » (١).

وإن كان غيره مِن الثِّقات يَروُونه عن فطرٍ باللَّفظِ الخطأِ كما قد أشرنا إليه آنفًا، فإمَّا: أن يكون الحسين قد غلِط فيه على شيخِه فطر، أو أنَّه كان يتَثبَّت أحيانًا في هذه الرِّواية عن سَلمة بن كهيل، فيَروِيها على وجهِها الصَّحيح أحيانًا، ظانًّا أنَّ كِلا اللَّفظين يُؤَدِّيان نفسَ المعنى.

وحاصل القول: أنَّ زيادة لفظ النُّطفة في هذه الرِّوايات شاذٌّ لا تصحُّ، وقد بانَ لك مَنشأ ذلك في ما تكلَّمتُ عليه مِن أسانيد، وأنَّه مِن تصرُّف الرُّواة بروايتِهم للمعنى الَّذي فهِموه (٢).

ولو رُحنا نستقصي باقي الأسانيد الضَّعيفةِ لهذا الحديث (٣)، بمتونِها المخالفةِ للَّفظِ الصَّحيح، مَرفوعِها ومَوقوفِها: لطالَ بنا المقام جدًّا لكثرتها.

وبعدُ؛

فإنَّه لا يشوِّشُ على هذا التَّقريرِ السَّابق في تحديدِ المُراد من حديث ابن مسعود نقلُ عِياضٍ لاتِّفاقِ العلماء على أنَّ الرُّوح تُنفخ في الجنينِ بعد أربعة أشهرٍ (٤)، وأخذِ بعضهم مِن ذلك أنَّ حديث ابن مسعود يدلُّ على أنَّ الجنين يَتَقَلَّب في مائةٍ وعشرين يومًا في ثلاثةِ أطوارٍ، كلُّ طورٍ منها في أربعين، لأنَّه حين تكمِلَة


(١) أخرجه أحمد في «المسند» (٧/ ٤٨، رقم: ٣٩٣٢).
(٢) لكنْ عَجَبي مِن ابن تيميَّة، على كثرةِ محفوظِه للمتون ودِقَّتِه فيها، كيف نسبَ في «الفتاوى» (٤/ ٢٣٨) إلى «الصَّحيحين» لفظَ (النُّطفة) في الجملة الأولى من حديث ابن مسعودٍ! وقد سلَّمهما الله بفضلِه مِن هذا الغَلط!
فلعلَّه سبقُ قلمٍ منه، لِما استقرَّ في فهمِه من صِحَّة معناها، وقد بانَ لك خلاف ذلك، وجلَّ مَن لا يسهو.
(٣) إذْ لم ينفرِدْ به زيد عن ابن مسعود، كما قال ابن حجر في «فتح الباري» (١١/ ٤٧٨).
(٤) نقله في «إكمال المعلم» (٨/ ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>