(٢) وإنَّا على غير وفاقٍ أيضًا مع مَن يقول بأنَّ نفخَ الرُّوح يكون بعد تمامِ صورة الجنين أصلًا كما أفهمه النَّووي في «شرحه على مسلم» (١٦/ ١٩١)، فليس على ما هذا القول دلالة مِن جِهة النَّقل ولا جِهة الطَّب.
والَّذي أميل إليه في وجهِ الحكمةِ مِن توقيت النَّفخ بعد المائة والعشرين: أنَّه لأمرٍ آخر غير ما ذهب إليه النَّووي، فالظنُّ أنَّه مُتعلِّق باكتمالِ القدرة لا الصُّورة، أي باكتمال قدرةِ الجَنين على الحركة والاستجابةِ للمُؤثِّرات، بحيث يكون جهازه العصبيُّ الآمِر مُتَّصلًا بقلبه وجميع جوارِحه بشكل متكامل، قابلًا لتنفيذِ مُراداتِه فيهاـ والله تعالى أعلم ـ انظر قرينةَ هذا الرَّأي مِن جهة الطب في الكلام حولَ النُّمو العَصبي للجَنين في كتاب «القرآن وعلم النفس» لـ د. محمد عثمان نجاتي (ص/٢٥٦). (٣) وما ورد في «صحيح مسلم» (رقم: ٢٦٤٣) ممَّا ظاهره ذكر الكتابة بعد نفخ الرُّوح، في قوله: « .. ثمَّ يُرسل الملك فينفخ فيه الرُّوح، ويُؤمر بأربع كلمات .. »، فلا يُشكل على قرَّرنا أعلاه، «لأنَّه قال: ويُؤمر، والواو لا تُعطى رُتبة»، كذا قال في «إكمال المعلم» (٨/ ١٢٧)، فيكون المُراد مجرَّد ترتيب الأخبار فقط، لا ترتيب ما أُخبر به. هذا إن سَلِمت هذه الرِّواية من تصرُّف بعض رواتها بالمعنى كما قال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (١/ ١٦٢ - ١٦٣)، وإلَّا فجماعة الثِّقات الرُّواة لهذا الحديث على غير هذا التَّرتيب.