لأقول: الَّذي استروِحُ إليه، وأستكينُ إليه: أنَّ النَّفسَ الواحدةَ هي حوَّاء! والزَّوج هو آدم! فلَم يَبْقَ مُتعلَّق لأحدٍ بهذه الآية، حتَّى يقول: نُصَحِّح حديثَ: «خُلِقَت مِن ضلع آدم» ..
تعلمون لماذا؟ لسَببَين اثنين:
قوله تعالى:{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، هل الزَّوج فيها الذَّكرُ أم الأنثى؟! ..
لِنَعُد إلى القرآن، فخيرُ ما يُفسَّر به القرآن هو القرآن، ولنقرأ في سورةِ الأعراف:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[الأعراف: ١٨٩]؛ فالزَّوجُ هنا واضحٌ أنَّه الذَّكَر، وآية الأعراف هي آية النِّساء ذاتُها! ليس هناك فرقٌ بينهما، ولا نعرف كيف غَفَل المفسِّرون عن التقاطِ هذه الإشارةِ القرآنيَّة! .. فقطعًا النَّفسُ الواحدةُ في الأولى هي المُؤنَّث: وهي حوَّاء، والزَّوج المُذكَّر: وهو آدم ..
إذن؛ الأرجحُ في آيةِ النِّساءِ أن يُرادَ بالنَّفسِ الواحدةِ: حوَّاء، والزَّوج: هو آدم، فهل آدم خُلِق مِن حوَّاء وهو جزءٌ منها؟! غير صحيح طبعًا .. إنَّما {مِّن} بيانيَّة، أي: خُلِق مَن جنسِها ونوعِها زوجًا لها .. ». اهـ
فهذا مجمل أدلَّةِ القولين في أصلِ خِلقةِ حوَّاء، وعليهما انْبَنى مَوقف أصحابِها من معنى حديثِ البابِ، فحيث أنَّ الحديث يحتمل لفظُه المعنيَّين السَّالفين جميعًا (١)، حقيقةً ومَجازًا:
رَجَّح الفريقُ الأوَّل: القولَ بالحقيقةِ، استنادًا إلى أنَّ في الكلامِ الأصل الحقيقة، مع اعتضادِهم بظاهرِ آية النِّساء، وما سُقناه من بعضِ الآثارِ السَّلفيَّة المُصرِّحة بذلك.
ورجَّح الفريق الثَّاني: المجازَ في الحديث على الحقيقة، إذ لم يجدوا دليلًا صريحًا في تَعيِّين مادةِ حوَّاء، فبقي الأصلُ عندهم في خِلقتِها أنَّها مِن نفسِ مادَّةِ زوجِها آدم؛ ثمَّ إنَّهم رأوا الحديثَ لم يَنسِبْ الضِّلع لآدم! وعليه خَرَّجوه مخرجَ