للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستعارة، ومُؤدَّاه عندهم: أنَّ النِّساء خُلِقن مِن شيءٍ كالضِّلع في اعوجاجِه، أي خُلِقن خلقًا فيه اعوجاجٌ وشذوذٌ تُخالف به الرَّجل، فهي مَطبوعة على العِوَج معه، وجعلوا نظيرَ هذه الاستعارة في قولِ الله تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: ٣٧] (١)؛ فيكون الحديث على ذلك قد حُذِف منه المُشبَّه ووجهُ الشَّبه والأداة جميعًا، واستُعِير لفظُ المُشبَّه به للمُشبَّه على سبيلِ الاستعارةِ التَّصريحيَّةِ الأصليَّةِ (٢).

والَّذي أكدَّ عندهم هذا المعنى مَجيءُ «الحديثِ بصيغةِ التَّشبيه في روايةٍ (٣) عن أبي هريرة بلفظ: «إنَّ المرأةَ كالضِّلع (٤) .. » (٥).

وبعد؛

فالَّذي أَراه أقربَ للحقِّ في هذه المسألةِ: مَذهبُ جمهورِ العلماءِ مِن أهل التَّفسير والحديثِ أربابِ القولِ الأوَّل، لمِا ذكرتُ مِن أدلَّتِهم على ذلك آنفًا، أُعَزِّز رسوخَها في المُراد بدفعِ مُعارضاتِ القول الثَّاني، فأقول:

أمَّا آية النِّساء: فهي وإن لم تُصرِّح بخلقِ حوَّاء مِن نفسِ آدم -هكذا باللَّفظ كما هي دعوى المُعترِض- إلَّا أنَّ الظَّاهر المَفهوم منها ابتداءُ خلقِ حوَّاء مِن نفسِ آدم (٦)، وأنَّه أصلها الَّذي اختُرعِت وأُنشئِت منه، وهذا أمرٌ لا مَدفَع له.

يقول عبد الرَّحمن النَّتيفي (ت ١٣٨٥ هـ) (٧): «الأصلُ في النَّفسِ أن تُطلَق


(١) «البحر المحيط» لأبي حيان الأندلسي (٣/ ٤٩٤)، و «مرقاة المفاتيح» لعلي القاري (٥/ ٢١١٧).
(٢) انظر «عارضة الأحوذي» لابن العربي (١/ ١٥٥)، و «فتح الملهم» لموسى شاهين (٦/ ٤٥).
(٣) الرواية عن سعيد بن المسيِّب والأعرج كما في «الصَّحيحين».
(٤) أخرجها البخاري في (ك: النكاح، باب المداراة مع النساء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما المرأة كالضلع»، رقم: ٥١٨٤)، ومسلم في (ك: الرضاع، باب الوصية بالنساء، رقم: ١٤٦٨).
(٥) «سلسلة الأحاديث الضعيفة» للألباني (١٣/ ١١٤٠).
(٦) انظر «البحر المحيط» لأبي حيان (٣/ ٤٩٤).
(٧) عبد الرحمن بن محمد النتيفي: فقيه نظَّار، نسبة إلى قبيلة (انتيفة) قبيلة أطلسيَّة من القبائل المطلة على سهل تادلا وسطَ المغرب، ينتهي نسبه الشَّريف إلى جعفر بن أبي طالب، وَصَفه حافظ المغرب وقتها بو شعيب الدُّكالي بأنَّه «علَّامة ألمعي، وذكي حافظ لوذعي»، ألَّف أزيد من سبعين مؤلفًا، مُعظمها في نصرة ما يراه حقًّا في السُّنة، منها «نظر الأكياس في الردِّ على جهمية البيضاء وفاس»، و «الإرشاد والتبيين في البحث مع شُراح المرشد المعين»، توفِّي سنة (١٣٨٥ هـ ١٩٦٦ م) بالدار البيضاء، انظر ترجمته في مقدمة تحقيق كتابه «حكم السنة والكتاب» (ص/٩) دار الجيل، ط ٢، ١٤٣١ هـ

<<  <  ج: ص:  >  >>