للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع الزَّوجِ فقط، مُؤدَّاه عدمُ استقامتِها على ما يُريدُه دائمًا، للتَّبايُن الفِطريِّ الحاصلِ في العقول والعواطفِ بين الجِنسَيْن، لا أنَّها مُعوَجَّة في أخلاقِها وفهمِها مُطلقًا.

والدَّليل على هذا التَّخصيصِ قوله صلى الله عليه وسلم في آخرِ الخبرِ في رواية مسلم: « .. فإنْ استمتعتَ بها، استمتعتَ بها وبها عِوج، وإن ذهبتَ تُقيمها كَسَرتها، وكَسرُها طلاقُها» (١).

ولا يخفى أنَّ الاستمتاع هنا هو ما يكون بين الزَّوجين، كما أنَّ الطَّلاق لا يكون إلَّا مِن الزَّوج لزوجتِه، وهو المقصود مِن كسرِ الضِّلع إذا أُريدَ إقامتُه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلع أعلاه»: تأكيدٌ لمعنى الكسرِ هذا، لأنَّ الإقامة أمرُها أظهرُ في الجهةِ العُليا، ويحتمِل أن يكون هذا ضَرْبُ مَثلٍ لأعلى المرأة، وهو الرَّأس! فبِهذا الرَّأس وما يحوِيه يحصُل الأذى للرَّجل؛ فضَرَبَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بكسرِها مَثَلًا على طَلاقِها، أي: إنَّكَ إن أرَدْتَ منها أن تترُكَ اعوجاجَها معك، أفضى الأمرُ إلى فِراقِها (٢).

والحديث محتملٌ لأن يكون التَّشبيه فيه للنِّساء بالضِّلع لقاسمٍ آخرَ بينهما غير صفةِ الاعوجاج، وهو ما استنبطه ابن هُبيرة (ت ٥٦٠ هـ) بشفوفِ نَظره، عبَّر عنه في جميلِ كلماتٍ منه بقولِه: «قوله: «أعوج ما في الضِّلع أعلاه»، يعني به صلى الله عليه وسلم فيما أُراه: أنَّ حُنوَّها الَّذي يَبدو منها، إنمَّا هو عن عِوَج خَلقٍ فيها، وهو أعلا ما فيها مِن حيث الرِّفعة على ذلك، فإنَّ أعلا ما فيها الحُنوُّ، وذلك الحنوُّ فيه عِوَج» (٣).

فرحم الله الوزيرَ ابن هُبيرة، ما أرقَّ عبارَته!

ولقد تأمَّلتُ كلامَه طويلًا، فوجدتُ قوَله مُتجلِّيًا في ذاكَ الحُنوِّ مِنها، ومَيَلانها بانحناءِها على أولادِها ومَن تُحِبُّ، رِعايةً لهم وشَفقةً وتَودُّدًا، انحناءٌ


(١) أخرجه مسلم في (ك: الرضاع، باب الوصية بالنساء، رقم: ١٤٦٨).
(٢) «فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٣٦٨) (٩/ ٢٥٣).
(٣) «الإفصاح» لابن هبيرة (٧/ ١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>