للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إمَّا على النَّسخ، أو الخصوصِيَّة لسالمٍ وامرأةِ أبي حذيفة (١).

والأصل في القول بهذا الوجهِ الثَّاني من الخصوصيَّة: جَزمُ أمَّهاتِ المؤمنينَ بذلك (٢)؛ وعليه ردَّ القرطبيُّ الوجهَ الأوَّلَ في النَّسخ فقال: «أطلقَ بعضُ الأئمَّة على حديثِ سالمٍ رضي الله عنه أنَّه مَنسوخ، وأظنُّه سَمَّى التَّخصيصَ نَسْخًا، وإلَّا فحقيقةُ النَّسخِ لم تَحصُل هنا على ما يُعرَف في الأصول» (٣).

والمُوجِب لقصرِهنَّ حديثَ عائشة رضي الله عنها على سَهلة وسالم رضي الله عنهما أمور:

الأوَّل: أنَّ مسلكَ التَّخصيصِ به تأتلفُ جميع الأدلَّةِ القرآنيَّة والسُّنيَّة في هذا الباب، فلا يُلغى منها شيءٌ (٤).

وهذا بخلافِ مَذهبِ مَن جوَّزَ رَضاعَ الكبيرِ وحَرَّمَ به مطلقًا، فإنَّه مخالفٌ لِما مَرَّ مِن قاعدة الرَّضاع في القرآنِ وتمامِه في الحَولين؛ ومخالف لحديث: «إنَّما الرَّضاعة مِن المجَاعة»، وفي هذا الحديث تأسيسُ قاعدةٍ كليَّة، تعتبرُ التَّحريمَ فقط في مُدَّة ما تُغني فيه الرَّضاعةُ عن الطَّعام (٥)؛ هذا من جِهة النُّصوص.


(١) «معالم السُّنن» (٣/ ١٨٧).
(٢) وعلى فرضِ الأخذِ بالرِّواية الأخرى عنهنَّ في ظنِّهنَّ الخصوصيَّة وعدم تيقُّنها، فيما أخرجه أحمد في «المسند» (رقم: ٢٦٣٣١) من قولِهن: «والله ما ندري، لعلَّها كانت رخصة مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالمِ من دون النَّاس»: تكون قضيَّة سالمٍ واقعةَ عينٍ يطرقها احتمال الخصوصيَّة، وهذا كافٍ لوجوبِ الوقوف عن الاحتجاجِ بها، انظر «الفتح» لابن حجر (٩/ ١٤٩).
(٣) «المفهم» (١٣/ ٤٢).
(٤) الَّذين قالوا بالتَّخصيصِ عامَّتُهم على أنَّه تخصيص أعيانٍ، أي ما جرى به الحكم في حديث سهلةَ خاصٌّ بها وبسالمٍ، ثمَّ ظهر بعدُ مَن قال وسَّع دائرة الخصوصية قليلًا، فجعله تخصيصَ أحوالٍ لا أعيانٍ، أي أنَّ الأصل في الرضاع أن يُعتبر فيه الحَولين فقط، إلَّا فيما دَعت إليه الحاجة، كرضاع الكبير الَّذي لا يُستغنى عن دخولِه على المرأة، ويشقُّ احتجابها منه، وهذا قول ابن تيميَّة، وتبعه عليه غير واحدٍ من المتأخِّرين، انظر «مجموع الفتاوي» لابن تيمية (٣٤/ ٦٠)، و «إعلام الموقعين» (٤/ ٢٦٤)، و «نيل الأوطار» (٦/ ٣٧٣)، و «سبل السلام» (٢/ ٣١٣).
(٥) انظر «المفهم» (١٣/ ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>