للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصالةً، محافظةً على حكمِ إبطالِ التَّبنِّي بقدرِ ما تمكن المحافظة في مَقامِ الرُّخصة ومَقامِ ابتداءِ التَّشريع، فإنَّ للتَّدريج في أوائلِ التَّشريع أحوالًا مختلفة» (١).

وحاصل القولِ: أنَّه لا يَصِحُّ أن يُثبَتَ للتَّبَنِّي بعد النَّهي مثلُ حُكمِه قبل النَّهي، لأنَّ التَّبنِّي أُبطِل مِن الأساس، فلا ينبغي أن يَتعلَّق به حكم؛ وبه يُفهَم أنَّ «الخطابَ في سالمٍ قضيَّةٌ في عينٍ لم يأتِ في غيره، وسَبق له تَبَنٍّ وصِفَةٌ لا توجد بعدُ في غيره، فلا يُقاس عليه» (٢).

وأمَّا إن جاء أحدٌ بالتَّبنِّي بعد ذلك جهلًا منه، فهو الجاني على نفسِه بفعلِ ما قد حُرِّم، فلا تُثبَت له الرُّخصة الَّتي ثَبَتَت لسَهلة (٣).

فإن قيل: فلِم لمْ تثبُت الرُّخصة لغير سهلة رضي الله عنها مِمَّن يشركها في المشقَّة والاحتياج بها مِن المُتَبنِّين في المَدينة؟ (٤)

فجوابه: بمطالبةِ السَّائلِ أوَّلًا أن يُثبت في ذاك الوقت وجودَ مَن كان كحال سهلة وسالمٍ مُتلبِّسًا بأثرِ التَّبنِّي قبل تحريمِه، وواقعٌ جرَّاءه في المشقَّة والحَرج! هذا أمرٌ لا يُتكلَّم فيه إلَّا بنقل ثابت.

وإن كُنَّا مع ذلك نقول:

قد يتَّفِق التَّحريم للتَّبني آنذاك وبعضَ الأولادِ المُتَبنَّين صِغار، فيُدرَك حالُهم بإرضاعِهم.

أو يكون بعضهم قد كان كبيرًا وقت إلغاء التَّبنِّي، لكن لم تكُن عليه مَشقَّة مِن دخولِه على مَن كانت أمَّه بالتَّبني، لكونِها -مثلًا- مِن قواعدِ النِّساء، ومعها مَن يلازِمها في البيتِ مِن أهلٍ ونحوهم، فينتفي معه حَرج الخَلوة.

أو يكون الوَلد المُتبنَّى غَنيًّا مُستقلًّا ببيتٍ لوحده، لا حاجةَ له في السُّكنى معهم، ولا حاجة لهم في خُلطتِه؛ إلى غير ذلك من الحالاتِ الَّتي لا يُحتاج معها إلى رُخصة.


(١) «كشف المُغطَّى» للطاهر ابن عاشور (ص/٢٦٩).
(٢) «إكمال المعلم» (٤/ ٦٤٢)، وانظر «شرح صحيح البخاري» لابن بطَّال (٧/ ١٩٧).
(٣) انظر «الفتح الرَّباني من فتاوي الشَّوكاني» (٧/ ٣٥٠٦).
(٤) انظر هذا الإشكال «الفتح» لابن حجر (١٠/ ١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>