للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا المُوجِب الرَّابع لتخصيصِ الحديث: فإنَّ مِن حَموِ (١) المرأةِ زمنَ النُّبوة مَن كان في حاجةٍ لتردادِ دخول بيتِ زوجِها، ومعلوم حالُ فقرِ الصَّحابة وقتَها وصِغر بيوتِهم، ومعرفتُهم بنهيِ النَّبي صلى الله عليه وسلم لهم عن الدُّخولِ على النِّساء (٢).

فلو كان رضاع الكبير مُحرِّمًا بإطلاقٍ، لأقبلوا على الرَّضاعِ مِن زوجاتِ إخوانِهم ليتنفيَ الحَرَج بينهم بالمرَّة! فلمَّا لم يَقع ذلك منهم، مع الحاجة إليه، ولم يُؤثَر أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم رخَّص لأحدٍ غير سهلة مع توفُّرِ الدَّواعي: دَلَّ ذلك على أنَّ مُطلقَ الحاجةِ لا تُبيح رَضاع الكبير، فضلًا عن أن تكون لغيرِ حاجة (٣) كما شَنَّع به بعضُ المُغفَّلينَ على الحديث (٤).

وجريُ عَملِ الصَّحابةِ على منعِ الرُّخصة في ذلك للكبيرِ إن دَلَّ على شيءٍ، فعلى أنَّ حكم واقعة سهلة لو كان عامًّا، لكانَ انتشارُه في الأمَّةِ أظهرَ وأوسعَ مِن أن يُحصَر في امرأةٍ واحدةٍ! لحاجةِ النَّاسِ الشَّديدةِ إلى معرفتِه والأخذِ به (٥)، فدَلَّ «على أنَّه حديثٌ تُرِك قديمًا ولم يُعمَل به، ولا تَلقَّاه الجمهور بالقَبول على عمومِه، بل تَلقَّوه بالخصوص»، كما يقول ابن عبد البرِّ (٦).


(١) الحَمْو: فسَّره اللَّيث بأنه أخو الزَّوج، وما أشبهه من أقارب الزَّوج، كالعمِّ وابن العمِّ ونحوهم، انظر «مطالع الأنوار» (٢/ ٢٩٨).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة، رقم: ٥٢٣٢)، ومسلم في (ك: الآداب، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، رقم: ٢١٧٢).
(٣) انظر «الشَّرح الممتِع» (١٣/ ٤٣٦).
(٤) منهم (نيازي عزِّ الدِّين) في كتابه «دين السلطان» (ص/٨٢٩) قال: « .. هل هذا معقول يا أصحاب العقول؟! كلَّما أراد زوجٌ أن تكشف زوجته على رجلٍ من أصدقائه، قال لزوجته: أدخِلي هذا الرَّجل إلى غرفتك، وأرضعيه ثلاث رَضَعاتٍ مُشبعاتٍ، حتَّى يدخل عليك الرَّجل مِن غيرِ حَرجٍ أو إحراج»!
وبمثله هَرَف (جواد خليل) في «كشف المتواري» (ص/٦٥٥).
(٥) حتَّى إنك لَتجِدُ تابعيًّا فقيهًا في مقامِ ابن أبي مُليكة، يمكثُ نحوَ سنةٍ كاملةٍ لا يُحدِّث بحديث عائشة في شأنِ سهلة وسالمٍ رهبةً له! إلى أن لقيَ شيخَه الَّذي حدَّثه به، وهو القاسم بن محمَّد، فقال له: «لقد حدَّثْتني حديثًا ما حدَّثتُه بعدُ، قال: وما هو؟ قال: فأخبرته، فقال: فحدِّثه عنِّي أنَّ عائشة أخبرتنيه»، أخرجه مسلم في (ك: الرضاع، باب: رضاع الكبير، رقم: ١٤٥٣).
(٦) «الاستذكار» (٦/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>